المهلـــــــوســــــون الـــــــجدد

الاثنين، 26 مارس 2012

دكتاتورية الكاتب- شكيب أريج



دكتاتورية الكاتب

أو القذافي الصغير




بعد اليوم لا يتشدقن علينا كاتب بأن سوق قراءته كاسد، لأن الكساد متأصل في الكتابة الأنانية، ولأن الكاتب الدكتاتور يحب أن يتقيأ حروفه ولنا الحق في الانصات فقط، القارئ في تعريف الكاتب الدكتاتور الكاسد البضاعة هو مقلمة تفتح من الأذن الأولى إلى الأذن الثانية وتعبأ وتغلق.. وعلى القارئ بعد أن يطلب الحرف على طريقة الامام البخاري في الجد والبحث أن يقبل اليد باطنها وظاهرها.. هل يمكن أن يعبر عن اشمئزازه من قداسة النص؟؟، تالله إن ذلك لكفر مبين. يقود بالضرورة عند الكاتب الدكتاتور وقبيلته إلى التقليل من قداسة الكاتب نفسه.
الكاتب الدكتاتور يعقد علاقة غير بريئة بين ما يكتبه وما يعب به أفواه الآخرين غصبا، فهو يمارس أبوة من يضاجع أبناءه دون أن يعلم..كثير من الكتاب وأقصد المستبدعين على سبيل التحديد ينصبون أنفسهم حماة لما قبلوا أن يكون مفتوحا للجميع ليقرؤوه..قراءة مشروطة، محدودة، موصولة إلى كاتبها بعروق دموية.. متى يفهم كتابنا أن أي كلام عن ابداعاتهم لا يعنيهم في شيء، فليتواضعوا ويعرفوا انهم مجرد أكواب تنقل الخمرة إلى شاربيها فإن أسكرتهم أنطقتهم وإن خذلتهم أنطقتهم.. 
شعب المستمعين في الأماسي كان جله خائفا أن يقول كلمة: لا يعجبني. وفي المقابل شاعت كلمات النفخ ووالرفع والدفع..حتى إذا مست صاحب الديوان أو صاحبة الكتاب ابرة صغيرة جدا تفشى مثل بالونة أفرغت من ريحها وتراقص بها الهواء.
ليس ذنب الإبرة.. ذنب من عبؤوا الهواء في كؤوس بلاستيكية واهنة، ذنب الذين يوهمونك أن الابداع ملكية فردية..هكذا يعتبر الكاتب الدكتاتوري أن أي تعليق ضد كتابته هو تعليق ضده. أرأيتم أن الكاتب في زمننا يشبه قدافيا صغيرا.
من رسائل القارئ المدلل.
شكيب أريج

الأحد، 25 مارس 2012

كل شيء يعانق كل شيء في مجموعة "أول الغيث" القصصية التلاميذية



كل شيء يعانق كل شيء
 في مجموعة "أول الغيث"* القصصية التلاميذية
قراءة موضوعاتية في التناغم الجمالي للقصص/ القطرات

تمهيد:
قد تنكسر الأقلام الصغيرة على جدار صلب يسمى الإهمال لكنها قد تشتد عودا، وتشتد ثقة وهي تجد من يحنو عليها ويجيد الإصغاء إليها، لقد كان التلاميذ الذين انضووا تحت لواء نادي عكاظ للإبداع الأدبي والمسرحي محظوظين جدا حين وجدوا الاهتمام والرعاية اللازمين ووجدوا حضنا دافئا يحميهم من قر التجاهل والانتقاص والتيئيس.
هكذا كانت مجموعة "أول الغيث" القصصية التلاميذية بادرة تستحق التنويه في زمن شحت فيه المبادرات الجادة، والأهم أن هؤلاء التلاميذ وجدوا منصة عالية للقول توصل صدى أناملهم إلى الأبعد من الأبعد. وللأستاذ المشرف خالد مساعف وجنود الخفاء من حوله الفضل في إخراج هذا المشروع الإبداعي الثقافي إلى حيز الوجود.
في مجموعة "أول الغيث" كل شيء يعانق كل شيء، وإنه لمن الضروري الانتباه في مثل هاته الأعمال الجماعية إلى أهمية أن يكون العمل ورشا مفتوحا، والأهم  أن ينتبه القارئ إلى التناغم الحاصل إن على مستوى الإشراف أو على المستوى الموضوعاتي، فعلى المستوى الأول لم يدخر الأستاذ خالد مساعف جهدا في جعل النصوص القصصية منفتحة على الإبداع المسرحي والشعري والموسيقي الغنائي، وهو وعي متقدم منه لأن " الأدب لا ينشأ في الفراغ بل في حضن مجموع من الخطابات الحية التي يشاركها في خصائص عديدة"1   
 أما على المستوى الموضوعاتي وهو ما خصصنا من أجله هذه الورقة فيهمنا أن نورد هنا ملاحظتين أساسيتين:
-         أولا: هيمنة الواقعية على قصص المجموعة، وانفلات نصوص بعينها إلى رحاب الرمزية والغرائبية والاحتفاء بالوضع الإنساني والحلم والذكريات وهموم الشباب ومخاضات الكتابة.
-         ثانيا: قوة قصص أو قطرات "أول الغيث" في تجمعها في كتاب واحد، فحين يخضع العمل لهندسته الخاصة يفرض عليك إدراك حلقات أوسع لمحاور موحدة متمايزة لكنها مترابطة.
تأسيسا على ما سبق نتساءل عن مدى فعالية الرسائل التي تتضمنها المجموعة؟ ونتساءل أيضا عن مدى تناغم وتجاور وتحاور نصوص "أول الغيث"؟؟

فسيفساء "أول الغيث"

من أهم أهداف الكتاب إرجاع الثقة للتلاميذ " لكونهم قادرون بسلاح الكلمة أن يعبروا بكل عفوية عن قضايا الأمة ومناقشة كل التناقضات السياسية والاجتماعية والنفسية في قالب جميل يقف على الداء ويعري الجرح ويبحث للجراح عن دواء إنساني نبيل"2 وها قد عبر جيل أول الغيث بكل تلقائية وعفوية عن قضايا متعددة، نود أن نعرض لهذه المواضيع بدءا من التيمات الأقل حضورا انتهاء بالتيمة الواقعية المهيمنة على الأصوات الإبداعية بمجموعة "أول الغيث".

1-   الكتابة وهمومها:
لإن كانت الإبداعات الحديثة في القصة القصيرة قد أولت اهتماما بالغا بسرد "ممكنات الكتابة" فيما يشبه الكشف عن كواليس الإبداع، فإن مبدعي أول الغيث لم ينشغلوا كثيرا بالنظر إلى مرآة السرد، وفضلوا أن يتماهوا مع كتاباتهم بدل تتبع حركة انكتابهم، لكننا لا نعدم بين صفحات الكتاب من اختار أن تعود القصة القصيرة على ذاتها وتبدع داخلها الجمالي3 فقصة "الانتظار" لسمية افليس تحتفي بمؤلف "أول الغيث" الذي تنكتب ضمنه. كذلك تسعى قصص مثل "حيرة الكتابة" و" مخاض عسير" و"صمت الكلمات" إلى تصوير مخاضات الكتابة تصويرا حسيا ينقل أدق التفاصيل عن الشعور بالعقم أو الخرس أو الفرح.
وتتميز قصة " عذرا سيدي الكتاب" لمريم بنعبو بتصوير الواقع المأساوي للكاتب والكتابة معا، ورغم نهاية القصة المتسرعة فهي من القصص القليلة في المجموعة التي تسائل الكتابة نفسها وتصوغ موقفا منها.
إن الذين اختاروا هذه التيمة لكتاباتهم يتحلون بوعي مبكر بالكتابة وفلسفتها وبإمكانهم الحفر أعمق في هذه الأرضية البكر الحبلى  بالتساؤلات.

2-   الوضع الإنساني:
من أهم الوظائف المنوطة بالأدب تحسين الوضع الإنساني، وتظهر هذه التيمة بارزة في كتابات بعينها، كتابات تتمثل مقولة كانط الشهيرة: " أن تفكر جاعلا نفسك في موضع أي إنسان آخر"4 وهي من أرقى التيمات التي تستنفر إبداع الكاتب، فمدارها في الغالب يكون وجع الإنسان، ولعل قصة "المنسيون" لعصام عناب شاهد على هذا الوجع الإنساني الذي يطرق قلوب القراء مذكرا إياهم بالمنسيين.
هي نصوص تقف بجانب المظلومين والمسحوقين والمقهورين والمهمشين المحرومين، إنها  نصوص تمارس نضالا إنسانيا منقدة الأدب من رتابة اليومي العابر وأنانية السرد الذاتي، ومن النصوص التي حملت على عاتقها الهم الإنساني نشير إلى نص " من الأحق؟" لريم رشيد و قصة " قسم المستعجلات" لعواطف أضرضور و"في المستشفى" لكريمة إد عبد الله وقصة "دار النسيان" لهجر زروال
وتجدر الإشارة إلى ملاحظة جوهرية تتمثل في كون القصص التي فتحت الجرح الإنساني تؤطرها في الغالب تيمة الموت، وخاصة في قصة"رسالة موت" لعبد الرحمن بن يحيى، وكأن الورك الذي يهيج الإنسانية ويبعث قيم التعاطف وأحاسيس الرحمة والمحبة هو (الموت).؟؟
وإن تكن قصة "إضراب طائر" لسلوى حبا وقصة "براءة الطفولة" لسحر الأطرسي قد تطرقتا إلى قيم إنسانية مثل الحرية والسلام، فلنا أن نتساءل عن ضمور هذه القيم في متن أول الغيث بصفة خاصة، والمتن المغربي بصفة عامة؟؟

3-   الرمزية والغرائبية
الفرق بين الذين كتبوا قصص واقعية صرفة والذين كتبوا قصص رمزية وغرائبية في مجموعة "أول الغيث" أن أصحاب الخيار الأخير كتبوا قصص مضاعفة، فالغرائبية والرمزية تكثف دلالات المتن الواحد وتجعل قراءته متعددة ضاجة بالأسئلة.
لقد أبدعت صاحبة قصتي " الملائكة والفنان" و"نافذة الحياة" سارة تبرقاقايت في صوغ عوالم مستنفرة للدهشة، مفضية إلى مآزق وجودية مشحونة بالتقاطبات: التفاؤل/ التشاؤم- الملائكة/الشيطان-الحياة/الموت...
وكتب عماد البوركي مقنفيا أثر الغرابة في قصة "ماذا لو؟" عالما مقلوبا رأسا على عقب، تعيش فيه الحيوانات في المدينة ويعيش فيه الناس في الغابة، وللأسئلة أن تضج بعد قراءة هذه القصة المميزة؟؟؟
إن ترميز العالم القصصي وجعله غرائبيا يتمثل أيضا في قصة "أغنية الربيع" لفاطمة الزهراء الوعرابي حيث عازف الناي يذيب الثلوج ويوقظ الربيع بسحر عزفه، فهي غرائبية رمزية مدهشة ساحرة غير قابلة لتفسير عقلاني كما يوصفها روجي كايوا.
ولا تخلو قصص أخرى مثل " الشمعة والمذكرة"  و"لحظة أمل" و"مرارة الأيام" و"ياسمينة العرب" من الرمزية والغرائبية، وعادة ما تكشف التقاطبات الموجودة في هذه النصوص: (الإرادة/اليأس- الحب/الكراهية- الذكرى/النسيان...) عن غور في الرؤية وغنى في الأبعاد الدلالية .

4-   الحلم والذكرى:
امتزج الحلم في أغلب القصص التي احتفت بهذه التيمة في المجموعة بالذكريات، حلوها ومرها، فكان الحلم بمثابة قنطرة إلى فردوس مفقود عادة ما تفر إليه أو به شخصيات قصص المجموعة، بل وتحتمي به من قسوة الواقع الجاثم على آمال وطموحات ناشئتنا، ألم يقل القاص عبد السلام الشرقاوي ان وطأة الواقع وبروز أنيابه تجعلنا نفر إلى الحلم في واضحة النهار5. كذلك من حق شباب أول الغيث أن تكون أحلامهم في واضحة السرد، ومن حقهم الابتعاد عن التعمية والتضبيب في الحلم، لقد قاموا بتوظيف الحلم كنشاط جمالي ولعبة للخيال، الحلم هو البرهان على أن التخيل وتصور ما ليس له وجود هو إحدى الحاجات الأساسية للإنسان على حد تعبير ميلان كونديرا.6
سنجد أن الحلم يرادف في قصص المجموعة الآمال والطموحات واللحظات الجميلة أو المأساوية الموشومة في الذاكرة، والطفولة كانت إحدى هاته اللحظات الجميلة المسروقة التي احتفت بها قصة "طفولتي" لبوستة مريم، وعلى خلاف ذلك احتفت كريمة إد عبد الله وهاجر زروال بلحظات حزينة وبئيسة في قصتي: "دمعة في الذاكرة" و"دار النسيان".
وإذا كان الحلم في القصص المذكورة أعلاه حنينا إلى الماضي السعيد أو المؤلم، فإن الذكريات تحوم حول: المراهقة والشباب في قصص : " الشمعة والمذكرة" و"صرخة وراء القضبان" و"سراب" و"في الذاكرة" لتجعل الأحلام تنكتب برهافة وببلاغة البوح الشجي.
وتلح نصوص أخرى في المجموعة على ضرورة الحلم كمرادف للأمل والتفاؤل، فبطل قصة "لحظة أمل" لراميا أمشمر لا ييأس من إعادة رسم أحلامه على الرمال:"بدأ يبكي لكنه رغم ذلك لم يفقد كل الأمل، عاد ليحلم مرة أخرى على الرمال.."(ص60) وبطل قصة "رسالة مخادعة" لبوستة مريم يشطب الرسالة التي تكفه عن الحلم: " سأحلم وسأظل أحلم، أنا من يقرر، سأرسم أحلامي  بكل الألوان الزاهية على هذا الواقع. أرسل الرسالة  مسح الأولى" (ص68)
وأخيرا فإن الحلم يتحول إلى مصدر إلهام في قصة "حيرة الكتابة" لجميلة اكنساد في تضمين رمزي جميل يفتح إمكانات جديدة لركوب جواد الحلم، ويفتح كوة على الوعي بالحياة كما في قصة  "جزيرة الملائكة" لحنان أزيرار التي تختمها صاحبتها بـ " تغيرت في كل شيء، لم تعد مجرد فتاة تأكل وتنام وتنتظر عريسا قد يأتي أو لا يأتي، بل صارت لها طموحات أخرى..." (ص26).



5-   هموم شبابية:
الهموم العاطفية وأهمها الحب، والهموم الدراسية وأهمها انسداد الآفاق والبطالة كانت أبرز التيمات التي ميزت مجموعة "أول الغيث"، لقد كانت روح الشباب تترقرق في ثنايا القصص في بوح شفيف لذيذ شجي، وقد أتاحت هاته الموضوعات مساحات بكر للإبداع خاصة أن الشباب "ينسج حياته على غير علم منه وفقا لقوانين الجمال حتى في لحظات اليأس الأكثر قتامة.."7
هكذا فمن عمق قلوب مسها الألم والأمل تنهمر "دمعة في الذاكرة" وهو عنوان قصة متميزة لصاحبتها كريمة إد عبد الله: " تكتب وتكتب دون أن  تبوح بكل شيء فالجزء الدرامي في قصتها  لم تسرده إلى الآن.." (ص15).
وفي قالب سردي رائع تخاطب قصة "الروح السجينة" روحك قبل عقلك، فهي تسبر أعماق روح موجوعة متألمة دون أن تغفل محيطها الخارجي الضاج:
" أغمضت عينيها وهي في الحافلة، الركاب يتهامسون ويودعون أحباءهم (طريق السلامة أخويا، توصل دور الي) وصوت من المحطة يصرخ (بلاصا أكادير بلاصا) " (ص22).
ورغم أن قصتي "ألم وأمل" و"مأساة عاشق" تحكيان أحداثا مألوفة، فإن الأولى كانت ترسل رسالة متفائلة واضحة " فزواج من نحبه ليس نهاية العالم" في حين أن القصة الثانية تنتهي نهاية مأساوية للتعبير عن فداحة قسوة المجتمع ضد قلوب وأحاسيس مرهفة.
وتبقى قصة "مرآة الشرف" لمريم جوباي أيقونة سردية رائعة في التجاذبات التي عبرت عنها بواسطة رمزية المرآة، والتي مكنت من الكشف عن تناقضات الذات، وغاصت عميقا في خبايا الهموم الشبابية، مثيرة الانتباه إلى مدى تأثير المظهر الخارجي الأنثوي على الذات قبل الجماعة.
من جهة أخرى ركزت قصص أخرى في المجموعة على هموم الدراسة وما بعدها من آفاق مسدودة وتنوعت النصوص بين قصص متفائلة مثل "شبح الانتظار" لأمينة الملالي التي رصدت معاناة الشباب بعد الدراسة ولكنها لم تغلق الباب، فأومأت إلى إمكانية انفراج الأحوال، في حين رصدت قصة " غريب في الكلية" مظاهر الاغتراب والضياع فاتحة الجرح على امتداداته النفسية والاجتماعية.
لقد أنصتنا بعمق إلى هموم الشباب في مجموعة "أول الغيث" وهو ما لا يتحقق حتى في أحسن مراكز الاستماع، فالطابع التخييلي التلقائي أعطى للأقلام المبدعة مصداقية وحرية في البوح من النادر أن نجدها في محافل هيمنت عليها المباشرة واللغة الخشبية.


6-   الواقع:
من نافل القول الإقرار بأن التيمات السابقة كان لها عمق واقعي، ولذلك تميزت العديد من القصص بواقعية رمزية أو سحرية أو جديدة كما يحلو للنقاد التصنيف، ولا غرابة في الأمر إذ أن الواقع يشكل العمود الفقري للإبداعات الإنسانية، وحتى القصص الغرائبية نجد أن لها علاقة وطيدة بالواقع من حيث أنه مرجع، بل ان الخيال يستمد مقوماته من الواقع، إذن فالتيمات هي تنويعات على وتر واحد يسمى "الواقع".
لقد تفاوتت قصص التلاميذ إبداعا من حيث الاهتمام بالمنظر والمنظور، فإذا كانت الواقعية في النصوص المدروسة أعلاه قد تم إغناؤها بزوايا وأبعاد غرائبية ورمزية وإنسانية، فإنها في قصص أخرى سنأتي على ذكرها تناولت الواقع بشكل صرف يهتم بالوصف والتصوير الدقيق، وبقدر تضمينها لوجهات نظر ورؤى بقدر ابتعادها عن أن تكون محض صور فوتوغرافية جامدة.
هكذا فاختيار زاوية التصوير في قصة "علاقة زوجية" لبوخساس سناء هو ما يدل على الوعي بواقع حياة زوجية، والمباشرة الطافحة عند عمر الجرماطي يدل على رغبته في تسجيل وقائع معيشة تجثم على مخيال المبدع، يبدو ذلك واضحا في قصتي "طريق العودة" و" فراق الجمال". نفس الهموم تشغل المبدع عمر مرار ووفاء المرابط وآسية الزروقي وإحسان الشرقي وصفاء تحمسون، فكلها أصوات كتبت قصص برعت في تصوير المعاناة واختلفت زوايا النظر، فركزت قصة "لحظة شك" على معاناة الإنسان الصحية، وأولت قصة " الكنز المفقود" الاهتمام لواقع التفريط في إرث الأجداد، واهتمت قصة "دمعة الفتاة"  برصد ظاهرة التمييز بين الذكورة والأنوثة، وأخيرا فإن قصة"النهاية" تشير ببلاغة القصة القصيرة جدا إلى شهوة الحياة مقابل نسيان المصير: "خرج يتجول يوما.. التفت فوجد قبرا.." (ص73)
إن تنوع زوايا الالتقاط يدل على حقيقة واحدة مفادها أن " الواقع الأكثر حقيقة هو ما يتجذر في دواخلنا"8 ومن هنا أهمية اعتبار المجموعة سجلا ثقافيا واجتماعيا ينطلق فيه كتاب وكاتبات القصص من واقع حقيقي يعيشون في أتونه.


 

"أول الغيث": المايسترو يعزف أنشودة الغيث

المجموعات القصصية بصفة عامة توفر متعتين اثنتين راقيتين: فأولا نكون إزاء عوالم في إطار مغلق  للقصص المفردة، وثانيا نسعد باكتشاف الاستراتيجيات الأوسع  الموحدة التي تتخطى الثغرات الواقعة بين القصص.
لقد تأكد لنا  بعد قراءة موضوعاتية أن قصص المجموعة متمايزة كيفا ونوعا ، وأمكننا أن نقول أنها توجد ضمن دوائر متداخلة ومترابطة، وفي الجدول الملحق بالقراءة توضيح لخريطة موضوعات الكتاب.
هذا العمل المشترك الذي يعانق فيه كل شيء كل شيء يقوم على محاولة دؤوبة وجادة لمؤلّـِـف جماعي يمكن  ان نسميه: " نادي عكاظ للإبداع الأدبي والمسرحي"، ولأن السفينة لا تسير بدون ربان، فإن مايسترو المجموعة الأستاذ خالد مساعف يساعده الأستاذ إدريس الراقبي قد كان من أولى أولوياته بناء خيمة لقصص المجموعة، وعمله هذا ليس إلا تجليا لطيفا للاهتمام المتنامي (عن قصد أو عن غير قصد) بالشكل الذي يسميه شارلز ماي "..متوالية القصة القصيرة، مجلد قصصي جمعه ورتبه مؤلفه، وكل كشف في المتوالية يؤهلنا -بطريقة ما- للكشف التالي، ويلقي الضوء على العوالم المتضامة لنتتبعها ويصبح المجلد ككل – بهذه الطريقة-  كتابا مفتوحا يدعو القارئ  لبناء شبكة من التداعيات تربط القصص مع بعضها وتمنحها أثرا موضوعيا Thematic متراكما."9
ولا شك أن القارئ قد لاحظ أن قراءتنا الموضوعاتية قد استهدفت بشكل إجرائي حفر الخطوط العريضة البارزة في المجموعة، هاته الخطوط العريضة البارزة في المجموعة التي تشكل كلا منسجما، علما أن الكتاب بوصفه كلا حسب دونالد بيزر Pizer هو " كتاب قوي ومثير وله تأثير جمالي يفوق أي قصة مفردة"10
وللتمثيل على ذلك من مجموعة "أول الغيث" ننبه إلى قصة "المنسيون" لعصام عناب فهي كانت بمثابة ضربة مطرقة موفقة، ولكن الذي أكسبها الشرعية والمصداقية والقوة أكثر هي ضربات المطرقة السردية المتوالية في قصص مثل: "قسم المستعجلات" لعواطف اضرضور و"في المستشفى" لكريمة إد عبد الله.
يسوق ولفغانغ ايزر وهو المتعمق في نظرية التلقي تشبيها بليغا  حين يمثل " المجموعة القصصية" بسماء مرصعة بالنجوم، والقراء هم أولئك المحدقون في قبة السماء، سيكون عليهم الانجذاب  إلى لعبة " التلاعب الفني بوهم الاكتمال" فهم القراء حين يبحثون عن الحلقة الأوسع التي توحد محاور للتركيز متمايزة، فلن يميز قارئان بالضبط الحلقة نفسها أو الشكل نفسه.11
إن النجوم في المجموعة القصصية تابثة، والخطوط التي تربطها متغيرة، والفراغات ضرورية لإكساب العمل تنوعه ولتخصيب خيال القارئ.
إن الرغبة في بناء إطار للمجموعة هي رغبة تستجيب للميول نفسها التي نستخدمها في تجاربنا اليومية، فغريزة الغلق هي غريزة أساسية للعقل كما يقول فيليب تستيفيك12، لكننا في نهاية الأمر نستجيب لمتعة البحث عن وهم الاكتمال. وإمعانا في تنشيط هذا الإطار السردي لا بد  من  الإشارة إلى أن مجموعة "أول الغيث" وسعت إطارها الجمالي الإنساني أكثر حين انفتحت على أجناس تعبيرية فنية، فقدمت مسرحية " قلق الكتابة" إصدار "أول الغيث" أفضل مما يمكن أن تقدمه أي دراسة نقدية، أما أغاني فرقة العنادل، فقد استلهمت نبضات أول الغيث وألبستها حلة صوتية بلبلية، وكان تثمين القاص أحمد بوزفور في مقدمة الكتاب لهذه البادرة، ومن قبل تثمينه لبادرة مشابهة هي " أصوات الفراشات" أمرا دالا على تحول عميق في الساحة الثقافية والأدبية التي أصبحت تنجب الأفواج بدل الأفراد. ولحضور القاص محمد كروم دلالة قوية، فهو مايسترو مجموعة "أصوات الفراشات" المجموعة التلاميذية التي صدرت قبل "أول الغيث"  بسنتين مما يعني أن مجموعة "أول الغيث" تنتظم في إطار مجموعات قصصية لها قبل وبعد، فهل سيعرف المشهد الأدبي الثقافي مجموعات جديدة تعلن ميلاد فراشات وقطرات غيث؟؟؟
لا شك ان القطرات والأصوات ستغربل مع الزمن، فمنها من سيكتفي بالخطوة الأولى وهم قليل، ومنها من سيستمر في الإبداع وهم كثير.
أخذا بهذا المعطى فإن قصص المجموعة الواحدة كما تدعونا إلى النظر إليها في كلية، فهي تدعونا إلى النظر إليها مفردة، خاصة أن المنحى الصاعد الهابط للمتوالية القصصية يكاد يحجب الكلية الأوسع. هكذا فرغم أهمية القوة التي تتحلى بها القصص مجتمعة فإنها تتعايش فيما بينها داخل كتاب واحد مثل الضرائر تتقاسم إعجاب القراء، فالهوية المستقلة للقصة القصيرة يهددها دائما السياق الذي تدخل فيه مع جيرانها في مجموعة قصصية، يحدث هذا حتى لو كان مؤلف القصص شخص واحد. لكن هذا السياق لا يمثل التهديد الذي يقوض العمل الجماعي، بل هو التهديد الذي يضاعف من حماسة المشاركين لعطاء أوفر وأفضل.


على سبيل الختم

إن صورة كل عمل تتخلق من داخله، تتشكل، وتتكون، وتكتمل بمعانقة القارئ لها، لذا فمن طبيعة الإبداع أن يكون تلقائيا، خاصة إذا كان إبداعا تلاميذيا، وحتى لو كان الاشتغال على بعض النصوص على شكل ورشات فإن الدفقات العفوية تبدو واضحة وهي ما يميز العمل في جوهره، وإن كنا قد أشرنا  وبشكل إجرائي للجوانب التيماتية فإنه من البدهي أن كتابة قصاصي أول الغيث كانت أشبه بالجري على بقايا الليمونة على حد السكين13، فالكتابة ليست عندهم هندسية وآلية، إنما طوعية وبوحية بالدرجة الأولى.
وإذا كنا قد أشرنا إلى الإطار الكلياني الذي يميز المجموعة فحتى لا ينظر إليها على شكل جزيرات أو أجزاء متنافرة، فتقرأ بشكل انتقائي يسيء إلى وحدة المقصد الإبداعي والإنساني.
وختاما فإن بودلير كان محقا في تحذيره التاريخي حين قال: " ثمة في الإنسان أشياء تزدهر وتزداد قوة فيما أشياء أخرى تضمر وتتقلص وبفضل تقدم هذه الأزمنة لن يبقى في باطنك سوى الأمعاء"14 ولعل مجموعة "أول الغيث" تزيل بعض الإعياء عن ملامحنا الروحية التي أمركتها وأنهكتها الميكانيكا، وعساها تنبت بقطراتها عشبا طبيعيا في ملاعبنا، عذرا في مدارسنا التي فرشت لأمد طويل بعشب اصطناعي.

شكيب أريج

* أول الغيث- قصص قصيرة- من إنجاز نادي عكاظ للإبداع الأدبي والمسرحي التابع لثانوية أبي بكر الصديق التأهيلية بورززات- تحت إشراف الأستاذ: خالد مساعف- الطبعة الأولى 2012
















هوامش:
1-      تيزفيطان تودوروف- الأدب في خطر- ترجمة عبد الكبير الشرقاوي- دار توبقال للنشر- الطبعة الأولى 2007- ص9
2-      أول الغيث – ص05 من تقديم المجموعة بقلم خالد مساعف.
3-      محمد المعتصم الناقد في حوار معه بمجلة أفروديت4-مخاضات تجديد القصة القصيرة بالمغرب- الطبعة الأولى 2006- ص51
4-      E.Kant. Oeuvres philosophiques.T II .Gallimard 1985. 40 p1073
5-      عبد السلام الشرقاوي في حوار له مع أحمد بوزفور-الزرافة المشتعلة- المكتبة الأدبية- الطبعة الأولى 2000- ص197
6-      ميلان كونديرا- كائن لا تحتمل خفته- ترجمة ماري طوق- ص51
7- نفسه- ص46
8-      سمير أحمد الشريف- صعوبة إمساك الحد الفاصل بين الكتابة والحياة ، صورة المرأة في نصوص منى الشافعي- مجلة البيان- العدد473- دجنبر2009- رابطة الأدباء في الكويت- ص77
9-      روبرت لوشر- متوالية القصة القصيرة- كتاب: القصة، الرواية، المؤلف- دراسات في نظرية الأنواع الأدبية المعاصرة- ترجمة خيري دومة- الطبعة العربية الأولى 1997- دار شرقيات- القاهرة- ص89
10-      نفسه- ص92
11-  نفسه- ص93
12-  نفسه- الصفحة نفسها.
13-  محمد جبريل في حوار معه بمجلة البيان-العدد473- دجنبر 2009- ص100.
14-  شارل بودلير- اليوميات- ترجمة آدم فتحي- منشورات الجمل- 1999- ص89



 خريطة موضوعاتية لمجموعة "أول الغيث" القصصية
الواقع
الوضع الإنساني
الرمزية والغرائبية
الحلم والذكرى
الهموم الشبابية
الكتابة وهمومها
القصة/الكاتب (ة)
القصة/الكاتب (ة)
القصة/الكاتب (ة)
القصة/الكاتب (ة)
القصة/الكاتب (ة)
القصة/الكاتب (ة)
رياح التغيير/عبد الحق الصادقي
في الذاكرة/نورة أيت الزماط
دمعة في الذاكرة/كريمة اد عبد الله
علاقة زوجية/بوخساس سناء
لحظة شك/أسية الزروقي
الروح السجينة/ربيعة تبرقاقايت
دمعة الفتاة/صفاء تحمسون
جزيرة الملائكة/حنان أزيرار
غريب في الكلية/عبد الحق صادقي
ليلة الفاجعة/ أناس الناصري
حب في عالم اقتراضي/أناس الناصري
مرارة السكر/عمر مرار
طريق العودة/عمر الجرماطي
ألم وامل/ليلى جخا
فراق الجمال/عمر الجرماطي
احلام الشباب/ليلى جخا
جولة في الليل/علي أكناو
لحظة أمل/راميا أمشمر
مأساة عاشق/هجر زروال
الكنز المفقود/وفاء المرابط
رسالة الموت/عبد الرحمن بن يحيى
رسالة مخادعة/بوستة مريم
النهاية/احسان الشرقي
المنسيون/عصام عناب
ليلة الفاجعة/أناس الناصري
رسالة الموت/عبد الرحمن بن يحيى
قسم المستعجلات/عواطف أضرضور
دار النسيان/هجر زروال
في المستشفى/كريمة إد عبد الله
من الأحق/ريم رشيد
إضراب طائر/سلوى حبا
براءة الطفولة/سحر الأطرسي
لحظة شك/ أسية الزروقي
الملائكة والفنان/سارة تبرقاقايت
ماذا لو؟/عماد البوركي
أغنية الربيع/فاطمة الزهراء الوعرابي
نافذة الحياة/سارة تبرقاقايت
الشمعة والمذكرة/حسناء أوهرى
لحظة أمل/ راميا أمشمر
مرارة الأيام/حفصة ألمو
ياسمينة العرب/أسماء الصباحي
طفولتي/بوستة مريم
في الذاكرة/نورة أيت الزماط
السراب/ليلى جخا
صرخة من وراء القضبان/عبد المجيد جوباي
حيرة الكتابة/جميلة إكنساد
الشمعة والمذكرة/حسناء أوهرى
لحظة أمل/راميا أمشمر
رسالة مخادعة/بوستة مريم
حب في عالم اقتراضي/أناس الناصري




رياح التغيير/عبد الحق الصادقي
حب في عالم اقتراضي/أناس الناصري
دمعة في الذاكرة/كريمة اد عبد الله
غريب في الكلية/عبد الحق صادقي
جزيرة الملائكة/حنان أزيرار
الروح السجينة/ربيعة تبرقاقايت
جولة في الليل/علي أكناو
ألم وامل/ليلى جخا
فراق الجمال/عمر الجرماطي
أحلام الشباب/ليلى جخا
مأساة عاشق/هجر زروال
مرآة الشرف/مريم جوباي
مرارة الأيام/حفصة ألمو
شبح الانتظار/أمينة الملالي
رسالة مخادعة/بوستة مريم
ليلة الفاجعة/أناس الناصري
صرخة من وراء القضبان/عبد المجيد جوباي
عذرا سيدي الكتاب
مريم بنعو

حيرة الكتابة
جميلة إكنساد

مخاض عسير
ليلى جخا

الانتظار
سمية إفيليس

صمت الكلمات
سعيدة الحكيمي




السبت، 17 مارس 2012

رسالة مفتوحة إلى المبدع جواد أوحمو


 
رسالة مفتوحة إلى المبدع جواد أوحمو

مع احترامي لتجربة جواد اوحمو ولبلاغته الشعرية.

أقرأ تجربة أنضجتها سكينة العتمة، سكينة الأقاصي، سكينة السكينة، لذا فهو شعر وديع مهادن أبيض الملامح،

محايد حد الوجع.
وجع قارئ يشهد تراجع الشعراء عن الوقوف في الجبهات الأمامية.

مؤلم جميل الكلام قليل الجدوى،

والذي يراه الشاعر جمرا في عمره هو سكاكر ثلج في أعمارنا،

والليل الذي فك جدائله عند الشاعر هو نفسه ليل المسحوقين المقموعين المدحورين المنبوذين المحرومين المشردين المعذبين الذين وجدوا لسان الشاعر ملتوي الاستعارات يعبر عن صمتهم المأساوي بذاتية مفرطة الأنانية.

ما جدوى أن يتمرن الشعر على قول الشعر، وأن تسير الاستعارات تحت الحائط، هو تحديق المرآة في المرآة، تحديق باهض الثمن لأن الشعر مفتتن بذاته والشاعر منشغل بذاته.

جميل أن نسائل الموت ولكن بعظمة الواقع ومخالبه التي زرعها فينا ظلما وحقرة، موت الموظف البسيط، موت الفلاح البسيط، موت طفلة عادية وليس موت الفيلسوف في علياء أبراجه،،

كسن المحراث على الأرض نريده حرفك المتوله باللغة يا عزيزي أوحمو، يحفر الأرض ويجرف معها طغاة العالم، هه ولا تجعله سنا يضحك في فم التراب، فذاك فم ممرغ لا ينتج إلا حقولا يمر الزمن فتظهر على حقيقتها المرة... حقولا من الزنك.

رسائل القارئ المدلل- رسالة هلوسية
 
 
جواد وحمو
تحية التقدير لك عزيزي شكيب أريج.

أشكرك كثيرا على الرسالة الجميلة. وعلى الإهتمام بالتجربة.
أحترم وجهة نظرك. بخصوص وظيفة الشاعر وضرورة وقوفه في الجبهات الأمامية. لكن لي وجهة نظر مختلفة بعض الشيء وهي تعنيني. ربما لإفراطي في الإستعارات والتعبير بذاتية مفرطة الأنانية. كما أشرت إلى ذلك. لكنني لا أراني أبدا إلا ذلك الإنسان الذي أعلن تمرده على القبلية. ولست ومستعدا أن انضوي تحت أي قيادة شعرية كيفما كانت خصوصا حين لا أومن بقناعاتها. ولذلك هربت وتركت القبائل الشعرية ورائي. وتحصنت بالأقاصي. لأنني أرى أنها ليست من وظائف الشاعر – وهذه رؤية تخصني-. أنا لست جنديا تحت الطلب. لا أحمل كلاشنيكوف ولا أحمل سيفا. لأنني ببساطة أبحث عن زهرة الشعر. وأعتقد أن هذا ما انطلق يبحث عنه كل جلجامش جديد. وزهرة الشعر لا توجد في المدائن. ولكنها في الأقاصي. أعرف أنني أفرط في الأنانية. كما فعل جلجامش. ربما هكذا أنظر للشعر. هل هو الحياد الشعري؟ ربما هكذا سيرى البعض. لكن رؤيتهم لا تلزمني الإيمان بها. خصوصا أنني لا أومن بأنبياء من الغيب يجيئون إلى الشعر. ويبشرون بالجنة. ما آمنت به هو أن الشعر يقود دائما إلى الجحيم. وبرغم ذلك مازلت متشبثا بهذا الطريق. لا ألزم أحدا أن يتبعني. أتبع رؤياي. وأبحر باتجاهها. طبيعي حين نعيش في قبيلة أن نتبنى كل مواقفها. لكن حين نغادر القبيلة فنحن نؤمن بأفكارنا فقط لا غير. إنه العصيان الشعري. لكن على طريقة المتمردين الجدد. طبيعي أن تهدر القبائل دمي. لكنني أتحصن بلغتي. ثم هي في النهاية لعنة الشعر.
وبخصوص مساءلة الموت. أحترم وجهة نظرك بهذا الصدد. لكن ربما كان شاعر آخر أكثر مني تقنية أن يفعل ذلك ويؤرخ لموت لكل إنسان على حدة ويضع أرشيفا لذلك. ستكون تلك خطته وطريقته الكتابية. أما أنا فقد ساءلت الموت من وجهة نظري الخاصة ومن خلال الأفق الجمالي المتواضع الذي ارتأيته. ساءلت الموت عموما كتجربة وجودية. هكذا اخترت طريقي منذ البداية. وحين اخترت طريقي لم أستشر أحد. استشرت خريطتي النفسية والشعورية والفكرية. وأعتقد أن هذا حق من حقوقي الشعرية.
حين نكتب فنحن نصارع. لكن كل واحد بطريقته. ليس في الأمر مهادنة. لكن الجبهات تختلف. لا اعتقد أن هناك سكينة. لأنها لا تنتج شعرا. كما أنني ما أزال أعيش وفيا لجمرتي. ولطريقي إلى الجحيم. سكاكر الثلج بعيدة عني كل البعد. في عمري اختلف كثيرا عن الآخرين. إنني شيخ بعمر صبي. هههه.
وحين ننشغل بذواتنا في أسئلتها الوجودية. فنحن ننشغل بالأسئلة التي تؤرق الكل. ليس في الأمر أنانية ربما حسبما اعتقد. ما كتبته هو محاولة لتأجيج أسئلة. وليس الإجابة عنها في نهاية المطاف. ثم إنني ما أزال في رحلة البحث.وهكذا سأظل. ولا أعتقد أنني وصلت أبدا.

مع مودتي الدائمة
جواد وحمو
 

الجمعة، 9 مارس 2012

هل سبق وان سمعتم بقضية ألان سوكال؟؟ بقلم عبد الرحيم بن حمد



هل سبق أن سمعتم بقضية الان سوكال؟

سوكال يا سادة أستاذ و عالم فيزياء أمريكي..سئم من الكتابات التي تنشر في المجلات الأكاديمية ..كتابات و أبحاث غير مفهومة اللغة..لغة الخشب كما يقال..تماما كما يكتب البعض في المغرب..والقراء المساكين يعتقدون أن الكتابة يجب أن تكون بتلك الطريقة متعالية مستعصية على الفهم..و المهم أن صديقنا سوكال أرسل بحثا الى مجلة علمية..و هو مليء بمالا يفهم و أخطاء علمية كثيرة لكن بأسلوب مألوف لاَكلي الخشب..وذيله بمراجع عديدة.وهكذا تسابق النقاد و القراء العايقين الى ارسال مقالاتهم و ردودهم و تعليقاتهم فمن انتصر للاكتشاف الجديد و من انتقده كما لو أنهم فهموا البحث ..في حين أن حتى كاتبه سوكال لم يفهمه..ثم فضحهم بعد ذلك و أصبحت تسمى قضية سوكال في الأوساط الأكاديمية.
http://fr.wikipedia.org/wiki/Affaire_Sokal
ومثل هذه القضية وقعت في بداية القرن حين نشر شاعر أمريكي شيئا يشبه الشعر فقط ليسخر من النقاد ورواد التيار الوصفي الصوري..فنشر ديوان سبيكترا..لا اساس له و لا رأس..ثم فضهم قائلا أنه كان فقط يلصق كلمة مع أخرى..
http://en.wikipedia.org/wiki/Spectra_%28book%29

هذه المجموعة أسست لتفضحهم و تفضح قصصهم القصيرة جدا و شعرهم النثري المليء بالنقط الثلاث و أسلوبهم في دس الكلمة مع الكلمة بلا معنى..و تبادلهم النقد و شدان الخاطر..والأدهى أنهم هنا معنا دايرين فيها موت احمار..ما نحن فاعلون؟
هل من سوكال مغربي لهؤلاء؟

الثلاثاء، 6 مارس 2012

شي تيخرا... شي تيتفرج...بقلم سامي دقاقي

شي تيخرا..شي تيتفرّج...

بعض "الكتبة" في المغرب يحتاجون لكي "يتغوطوا" نصّا أن يتهيّجوا، وتستثار "دودة" خيالهم المريض، ذلك لا يحدث سوى عن طريق "اغتصاب" الموضوعات القاصرة، و"فض بكارة" اللغة، وإتيان "المحارم" بتزويج ما لا يحلّ من الأساليب والتراكيب، والنهم الجنسي ل"النصوصية"، وتعذيب المتلقي، والاستعراء المرضي أمام ذائقات القراء...إنها آليات سيكولوجية والغة في الاستيهام الجنسي المتخفي في إهاب الأدب، تكشفها أحيانا تلك الشحنات الانفعالية العالية التي تحملها الألفاظ المادية في النصوص...
بعض الأعمال الإبداعية في المغرب تحولت إلى "مصحات للأمراض العقلية"، وأنت والج إليها توقع أيّ شيء قد يهدد سلامتك الذهنية والبدنية، أعمال أخرى تشبه كثيرا "البلاي بوي" و"الإكس إكس إل"، حيث الداخل إليها مفقود، والخارج منها مفقود أيضا...
أعتقد أن الكثير من "الكتبة" في المغرب لديهم "بروفايل" مجرم محترف أو "قاتل متسلسل" serial killer، الفرق بين المجرم الحقيقي و"مجرمي الكتابة"، أن الأول يقتلك مرة واحدة بسرعة وينتهي الأمر، بينما "مجرم الكتابة" يقتلك كل يوم، إنه "قاتل أجيال" محترف، يستغل هوامش الحرية التي يتنطّع بها مساندوه وشركاءه في الجريمة الثقافية...
أشعر ب"الشمتة" أحيانا، فنصوص هؤلاء "الكتبة" كأنها "قضيب" يحشر في مؤخرة المشهد الثقافي ببلادنا ونحن شهود، نضحك مرة، ونصفق مرة، وكأننا شركاء في حفل "الاغتصاب الجماعي" هذا...
ما يتقيّأه بعض "الكتبة" و"القصصة" و"المتشاعرين" و"المتناقدين" شبيه بذلك التوجه الذي عرف في وقت مضى من القرن العشرين، وتحديدا في سبعينيات القرن الماضي، ب "الفن النقيض" ANTI-ART، بمعنى أنّ الفنان لكي يشدّ انتباه المتلقي كان ينبغي عليه الإتيان بما لم تستطعه الأوائل، أي أنّ يصدم ذلك المتلقي عوض أن يستحوذ على إعجابه، ومن الفنانين من يصوّر الإنسان في حالاته التي يمكن أن تقزز الناس كأن يصوّره في المرحاض. وقد بالغ أحدهم فقام بخصي نفسه في الحقيقة على مراحل وصوّر نفسه بكل دقة(الفنان رودولف شفارزكوجل 1972)، كما بلغت حالات الإغراب والشذوذ مبلغها بفنان مثل "كوهل" حتى أنه وضع "غائطه" في علب، وغلفها بشكل أنيق، وعرضها تحت عنونا "خراء الفنان"، وصور هيرمان نيتش نفسه وقد غطته الدماء وأحشاء الحيوانات، وجعل الفنان "أكوني" نفسه موضوعا للوحات وهو يستمني، وغيرهم كثير حتّى أن أحد النقاد وصف هذه الإغرابات والشذوذات في الاتجاهات الفنية بأنه "آخر إخراجات التعبيرية"، موظفا لفظة "أخراج" دلالة على التغوّط...
في المغرب يبدو أنّ حمّى "الإخراجات" قد وصلت إلى دهاليز وأفضية ثقافتنا سواء في بعدها المؤسسي أو بشكل فردي، فصار كل من "تقطّر به سقف" الكتابة، ينزع سرواله و"يفعلها" أما الملأ بما يشبه نزعة استعرائية exhibitionniste بمفهومها السيكولوجي، ونحن الذين نشاهد الواقع في صمت، كأنما نمارس نزعة "تلصصية" voyeuriste بالمقابل، تغذي استفهاما نجهله تماما.. فهل سنظلّ مواظبين على هذا التفرج المخزي ؟
أخشى أن يلقموننا "إخراجاتهم" يوما ما هؤلاء "النصوصيون"...

الاثنين، 5 مارس 2012

في حدائق بابل - بقلم عبد السميع بنصابر



في حدائق بابل
 
أجالس سارتر
في عينيك القزحيتين
أرتشف فناجا مع
المعري اليوناني
في مقلتيك أقرأ
سير العظماء
وأشد الستون
ستو الحلزون
ديال بنادم صابح نادم
بنادم لي فشكل
وكايتعكل
رغم أنه ممشكل
عقدك ثمين
أخشى أن يقولبك مول القيصارية فيه
لأن الجزارا مجبدين
أقسم بالله مجبدين
وأنت دايز طل علينا
و..
ساعة سعيدة ماتباع بأمول
حبيبتي إنني أشكو
من الغربة والهم كل يوم ايستوار
كبرنا وشبنا مازال صغار
ولم نفعل والو
تا لعبة والو
والو
و
ا
ل
و

الأحد، 4 مارس 2012

رائحة الرجال- بقلم عبد الرحيم بن حمد


رائحة الرجال
 
كان أبي حلاقي الأول..يحب دوما أن يحلق لي ويرسم قصات غريبة على رأسي على شكل نتف غير متقايسة هنا و هناك و جروح كان يصب عليها الماء فقط.. كان يحلق لي غصبا تحت تعليقات ساخرة من أمي... "تتعلم الحسانة ف ريوس اليتامى... " كنت أفكر و ضربات مقص كبير تنهال علي: هل أنا يتيم فعلا؟
لم يكن أبي حلاقا..كان فقط يقص شعري مرة في الشهر بنفس الطريقة و بتلذذ غريب يجعلني محط سخرية جميع من في الحي.
أتذكر حين أخطأ مرة في مسك المقص و قطع عرقا وراء أذني اليمنى لاحظت فيما بعد أنها لا تكبر أبدا.. أذني اليسرى لحد الان تبدو أكبر من اليمنى ..أذكر ايضا أنه كف عن حلاقة شعري بعدها.
كنت أحب رائحة صندوق أدواته الصغير و لمسات أصابعه الخشنة..بعد ذلك كلما رأت أمي أن شعري طال وهي تمشطه كل صباح قبل ذهابي للمدرسة كانت ترسلني الى حلاق في السوق القديم..تناولني خمسة دراهم، لكني كنت أشتري حلوى بدرهم أو ألعب لعبة قمار تافهة لم أربحها أبدا بدرهم و أعطي للحلاق البقية.
الحلاق يعرف أن المبلغ المعتاد هو خمسة دراهم لكنه لا يمانع لأنه كان لوطيا كما يقول أصدقائي " إنه يحب النوم مع الأطفال.."هكذا كانوا يقولون .. لم أفهم العبارة لكني أحببت تخيل جسدي في حضن رجل مثل أبي ..كان يحب زياراتي له.. كنت أجده دوما يقوم بالحجامة لرجال طاعنين في السن..يستخرج دما من رؤوسهم يصفه بالفاسد و يملأ كؤوسا صغيرة به يعرضها على كل من يجالسه ..دكانه الضيق، كان مليئا بصور قديمة لأنبياء يصارعون أسودا و ملوكا و أشياء أخرى صغيرة ملونة..كان يسعد حين نكون وحدنا ولهذا تعودت على الذهاب إليه في الظهيرة..كان يأخذ وقته وهو يحلق شعري ببراعة و يلمس بتردد و شهوانية وجهي ثم يقترب ببطنه الكبيرة من الكرسي و يلتصق بي. أحيانا كنت أحس بعضوه ملتصقا بذراعي وهو يمرر في نفس الوقت موسى حادة على قفاي..كنت أعرف ماذا يفعل رغم صغر سني الا أني كنت متواطئا أيضا..أحببت لمسات يده على وجهي و كان عضوي الصغير ينتصب أيضا.