المهلـــــــوســــــون الـــــــجدد

الأحد، 20 مايو 2012

شعرية الخطأ والحلم عند مجرم حرف


القصص/الرقصات 

شعرية الخطأ والحلم عند مجرم حرف
قراءة في مجموعة "رقصة الجنازة" لادريس الجرماطي 
"رقصة الجنازة" ⃰ هو الكتاب الثالث للكاتب المبدع ادريس الجرماطي، فبعد أن أصدر روايتين، تحلى بجرأة أدبية وسردية ليصدر مجموعته القصصية الأولى:"رقصة الجنازة" عن دار سندباد للنشر والإعلام، والتي تضمنت ستين نصا. ويمكن القول أنها ظلت وفية لأسلوب كاتبها المقلق المستفز المثير، كما يمكن وسمها بأنها نصوص تتعمد التكتيف الرمزي، والإمعان في التخييل والإغراق في عوالم الحلم. وسيكون من الملائم التعرف على هاته الأسلوبية عن كتب من خلال التركيز على شعرية الخطأ والحلم.
1- شعرية الخطأ:
قبل أن ينطلق هذا السفر السردي النزق، يستلم القارئ تذكرة سفر يقرأ عليها هذا التحذير المؤسس لكتابة الزلل: "إهداء: إلى كل من يؤمن بأن الخطأ طبيعة في الإنسان"1 فإذا كان باشلار قد بشر بفلسفة الخطأ، فإن ادريس الجرماطي يؤسس هنا لسردية الخطأ، أو الدفاع عن الحق في أن تخطئ سرديا، فأمام شساعة الإمكانات السردية المتاحة لا يمكن للسرد إلا أن يكون قاصرا ونسبيا، وفي لعبة الكمال والنقصان هاته يتبلور الإبداع معولا على بلاغة الاجتراء على اقتراف السرد بدل جناية الصمت، هو كاتب خطاء، يكتب بتخفف ودون اشراطات، أمام قارئ يبحث عن عذوبة السرد في التصويب، التشطيب، التسويد، إعادة الكتابة، وبناء عليه فإن أعذب السرد أخطؤه. وأعذب السرد ما ألقي على سجيته، معبرا عن ذاته، بقبحها وجمالها بالتواءاتها وتشابكاتها، بغموضها ووضوحها، وبعيدا عن خطاطات السرد وحرفيته لا بأس من السرعة والتسرع، من الجنون والجموح، هكذا تتشكل شعرية الخطأ من سرد يشبه الرقص، في غمرة نشوته لا يراقب خطواته.
الكاتب بهذا المعنى آدم يقطف ستين تفاحة من خلال ستين نصا، محققا متعته، مشعلا رغباته..
يمكن مثلا أن يخطيء في حق شخصياته: " بيتردي، أليكس، المضبب، زيك، لوليتا،زولا، أدوني..." أسماء غريبة وغربية لأشخاص يتحدثون بعربية فصحى، شخصيات مخصية لغويا، مبهمة غامضة، يشار إليها في كثير من المرات بكلمة: "أحدهم"
يمكن للكاتب أن يخطئ في خرق أفق انتظار قرائه، ذلك الأفق الزجاجي، المشوب بالريبة والتشكيك ونفاد الصبر عند القراء الذين لا يعرفون أن كتابة الجرماطي بحر لجي الداخل إليه مفقود والخارج مولود.
للكاتب أن يخطئ في حق السرد، في حق القارئ، في حق فضاءاته، في حق اللغة، في حق نفسه،، هو يكتب ليخطيء بغواية، بتفرد، بجمالية، وتلك أبرز سمات الأسلوب الجرماطي. هو أسلوب عصامي خاص محجوز لكاتب واحد في العالم هو ادريس الجرماطي "العالم لكل الناس غير أن لكل إنسان عالما هو خالصة نفسه"2
إن شعرية الخطأ تكتسب مشروعيتها أيضا من حيث أن ادريس الجرماطي هو الكاتب/الطفل، الذي يحب أن يعبث ويلعب ويلهو ويعيث فسادا في النظم والقوانين، وهو في كل ذلك لا يطمح إلى أن يعيش مغامرة الكتابة فحسب، بل يسعى جاهدا إلى أن تكون القراءة مغامرة هي الأخرى.
وأنت تسافر على متن مركبة ملغمة بسردية الخطأ، لا تجهد نفسك في البرهنة على سردية العثرات والكبوات، فالخطأ ما كان إلا تعلة لحفر أخاديد: نسبية السرد، لا وثوقيته، عمقه وغوره، مما يعمق الوعي بطرائق الحكي، وطرائق العيش. ومهما بدا السرد نسبيا قاصرا عن بلوغ التخوم فإنه من الضروري الانتباه إلى أن الجمال يكمن في الإيحاء بالأقاصي التي لم نبلغها، لذلك يقال إن أجمل النصوص هي تلك لم نكتبها، وأضيف وتلك التي لم نقرأها.
أثناء القراءة الفاعلة المتفاعلة لنصوص المجموعة كنت أجدني أكتب مسودات وأعاود مراجعتها، أكتبها على مذكرة مخيلتي رؤوس أقلام، وبدايات قصص، وأفكار تنبت بين الحين والآخر، ممارسا شططا واسعا في الشطب والتصحيح، لأفهم أخيرا أن هذا النص اللامكتمل المعمد بالخطأ يغري بالكتابة أكثر مما يغري بالقراءة.
2-شعرية الحلم:
الرؤيا التبشيرية والمنام العادي وحلم اليقظة والتعلق بالسراب والكابوس ثم الجنون، هذه بصفة عامة أبرز ملامح الحلم في القصة بالمغرب3، وبصفة خاصة هي تجليات الحلم في "رقصة الجنازة"، ففي مجمل نصوص المجموعة نجد الجرماطي مهووسا ومسكونا بالحلم، حتى أضحى هذا الأخير يشكل ميسما مميزا لأسلوبه وخلفية موسيقية لرقصة الجنازة.
إن الحلم يتيح هامشا من الخطأ، يتيح مساحات شاسعة للتخييل، يخلط الأوراق، يربك، يثير الشك والقلق والدهشة والحيرة، لهذا ليس من الغريب أن تكون عصا الرحى في المجموعة حلما.
ربما لأن الحلم أقدر على هدهدة الأفكار والأخيلة، وفيه متسع لطرح التساؤلات والاشكالات الفلسفية وصنع الايقونات والرموز.
في نص بعنوان " الروح والتمزق" تبدو الاشكالية المطروحة من الغور بحيث تبدو مثل حلم سحيق، وهنا بيت القصيد، فيكفي أن تتلبس الفكرة قفاز الحلم ليتنصل السارد من صلاحياته تاركا النص ينكتب حلما بما له وما عليه:".. خرج عصفور الحقيقة من جسده، وهذه المرة سمع أصواتا في أحلامه، أصوات تبكي لأنه مات..."4
يمارس الكاتب شغبه حين يمأزق الشكل السردي في متاهات وتشابكات حلمية، فنرى شخصية ألبير في نص بعنوان "الأحلام" _يحلم أنه يحلم_ فإلى أين يقودنا هذا الاقتراض اللعبي العجيب؟"وجد نفسه في حلم آخر(..)فرك عينيه وفتحهما على آخرهما، لكنه ظل يشك أنه غادر الحلم تماما.."5
إن سؤال الحلم الذي يدمغ جل نصوص المجموعة يخيم على أي قراءة فاعلة ومتفاعلة، فلا مناص من استحضار القارئ لأحلامه التي تتغدى على الأحلام في نصوص المجموعة، لا سيما أن هذا القارئ سيستشعر لا محالة تعدد وتجدد امكانيات السرد إلى درجة البلبلة، ولأن "غريزة الغلق هي خصيصة أساسية للعقل"6 فإن القارئ سيتعب وهو يبحث عن نهايات "لا حل بدون، إعادة البداية حتى النهاية"7. إن الفسحة التي تتيحها النصوص للحد من ضجر الآفاق المنكسرة هي هاته الإمكانية المتاحة لتوليد الأحلام.
3- مجرم حرف:
إدريس الجرماطي مجرم حرف يطلب من قرائه سردا وبجنون أن يتخيلوا أنفسهم بعيدا عن أفكارهم،8 وكأنه يخاطب الذين يستكثرون عليه الكتابة "..الحياة مرآة لا يمكن أن يخرج منها دون أن يرسم شيئا.."9
يعجبك إيمان مجرم حرف بأفكاره الهائمة "أفهمت أم لا تفهم": "لا مكان لقبري على الأرض، الأمكنة كلها ممتلئة بالوحوش الضارية، سأدفن نفسي في خلاء أفكاري"10
إن الدم الذي يغلي في الفكرة هو ما يبرر إلى حد بعيد سرد الجرماطي المشحون بشعرية الخطأ وشعرية الحلم، شعرية تلاحق قارءها في جل النصوص لتتيح له سفرا جوانيا، إن لم يدفعه ليعرف فلا أقل من أن يدفعه ليحس ويتخيل ويحلم محققا المعادلة الثلاثية: " أن أوجد في نفسي وأبقى في نفسي وأضم نفسا إلى نفسي"11.

شكيب أريج
⃰ "رقصة الجنازة"- قصص- ادريس الجرماطي- سندباد للنشر والتوزيع- الطبعة الأولى 2011
هــــوامش:
-1-رقصة الجنازة- ادريس الجرماطي- ص05
-2- رسائل الأحزان في فلسفة الجمال والحب- مصطفى صادق الرافعي- الصحوة للنشر والتوزيع- الطبعة الأولى 2008- ص36
-3- أنطلوجيا الحلم المغربي- الجزء الأول-الحاء الأولى- محمد سعيد الريحاني-الطبعة الأولى2007- ص17
-4- رقصة الجنازة- ادريس الجرماطي- ص78
-5- نفسه- ص59-ص60
-6- القصة، الرواية، المؤلف- دراسات في نظرية الأنواع الأدبية المعاصرة- ترجمة خيري دومة- الطبعة العربية الأولى1997- دار شرقيات- القاهرة- ص93
-7- رقصة الجنازة- ادريس الجرماطي- ص85
-8- نفسه- ص79
-9- نفسه- ص86
-10- نفسه- ص98
-11- رسائل الأحزان في فلسفة الجمال والحب- مصطفى صادق الرافعي- ص58


الأحد، 6 مايو 2012

عبد الهادي روضي يحصد جائزة طنجة الشاعرة


عبد الهادي روضي يحصد جائزة طنجة الشاعرة

في إطار احتفاء جمعية المبدعين الشباب طنجة بالشاعرين أحمد عبد السلام البقالي ومحمد الميموني حصد المبدع عبد الهادي روضي جائزة طنجة الشاعرة بحصوله على جائزة الديوان الأول الدولية، عن ديوانه :"بعيدا..قليلا" وكانت الجمعية المنظمنة من الشجاعة بحيث حجبت جائزة الديوان في بقية اللغات ، لأنها لم تتوصل بدواوين في المستوى المطلوب.
وقد زف إلينا رئيس جمعية المبدعين الشباب هذا الخبر وأضاف: إنها الدورة التاسعة التي تنظم تحت شعار "جسر القوافي". وعادت الجائزة الثانية فيها مناصفة إلى المبدع المصري" حمزة قناوي" عن ديوانه:"بحار النبوءة الزرقاء" وإلى المبدع المغربي محمد يونسي عن ديوانه:"إنني أبكي شيئا ما".
وتعرف هذه الدورة احتفاء بالقصائد، حيث خصصت جائزة للقصيدة وكانت الجائزة الأولى مناصفة بين المبدعة المغربية نسيمة الراوي من طنجة عن نص بعنوان "ريو دي جانيرو" وبين المبدع السوري حسن ابراهيم الحسن من حلب عن نص بعنوان:هوامش من دفتر الحرب" أما القصيدة الثانية فكانت من نصيب المبدع ياسر السعيد درويش عن نص بعنوان " إلى ما لديك".
وحول ارتسامات عبد الهادي روضي بخصوص فوزه بجائزة الديوان الأول، يقول: " بالنسبة لي كنت دائما أقول إن جائزة لا تخلق شاعرا أو تصنعه لأن الشاعر يستمد شرعيته من الانتساب إلى شجرة الشعر بما يقدمه من نصوص تمتلك أدوات بناء تجربته الشعرية، وتأتي إليه الجائزة ولا بذهب إليها"
ويعبر روضي عن سعادته بهذا التتويج قائلا: " لا أملك إلا أن أكون سعيدا بالثقة التي حظي بها ديواني الأول وهي حافز لمواصلة الحفر في ينابيع القصيدة بحثا عن الشعر"
هنيئا لعبد الهادي روضي ولجميع الفائزين، وهنيئا لجمعية المبدعين الشباب التي أبت إلا أن تلتفت التفاتة حسنة للثقافة والإبداع.
Haut du formulaire
Bas du formulaire