المهلـــــــوســــــون الـــــــجدد

الجمعة، 27 يوليو 2012

عبد العزيز الراشدي فصل من رواية "مطبخ الحب"

عبد العزيز الراشدي
فصل من رواية "مطبخ الحب"

كنّا ننامُ في الصالة عَاريَّيْنِ. لم نشأ أن نَلج غرفة النوم، لأن رغبتنا لم تستطع الانتظار؛ فقد فاجَأَتْنا الشهوة ونحن نُتابع فيلما أمريكيا يحكي قصة حبّ عاجلة، بين غريبين، التقيا صدفة في محطة صغيرة، ببلدة بعيدة. ودون تفكير، وجدا نفسيهما يتبادلان القُبل بعد نقاش قصير عن الغربة؛ بعد أن اكتشفا أنهما يُكَمِّلاَن كلام بعضيهما، وأنّ لقاءهما مقدّر ومكتوب.. ولأن مثل هذه الصوّر تذكّرنا بما حصل بيننا خلال مرحلتين من عُمرنا؛ مع فارق في التفاصيل والمكان، ولأن الضوء خافت والموسيقى خفيفة،وجسديْنا دافئيْنِ بالتلاحم والنشوة، فقد وجدْنا الصالة مناسبة فأعرَضنا عن غرفة النوم. كانت الموسيقى الكلاسيكية التي أعقبتْ نهاية الفيلم هادئة وتُغري بالنوم والاسترخاء، وكنّا في غمرة الانشغال العميق الذي يدوّخُ الأمزجة ويُكسِبُ النفوس إحساساً عُلوِيّا تدرّبْنا عليه مراراً حتى انتهَيْنا إلى صفاء نادر أكسبَ قلوبنا نشوة وشجنا لا يوصفان.. ثم انتهى كل شيء، وانطفأْنا لبرهة قصيرة، وحلَّ محل الشهوة تعب لذيذ..

استلقيتُ هادئا مسترخيا، بينما اتّخذ جدْعها الأيسر من ركبتي متكأ، دون أن تُثقل عليّ بالجسد الممتلئ قليلا، بلا مبالغة. كان جسدها كاملا كمالاً حقيقيا اطمأنَنْتُ له منذ البداية في البعيد وألفتُه مزيدا مع الزمن، وطالما أثارني، وجعلني أستعجل المرور، بامتلائه اليسير المطلوب، الذي لا يزيد ولا ينقص. شهوة النهدين والخط الأسمر الذي ترسُمه الظلمة الخفيفة بينهما أيضا يجعلانني أشتهيها دائما.لاشيء في جسدها يزيد عن الحاجة، خصوصا عندما تلبس الأزرق الأثير لديّ، تصبح بضّة قليلا ومناسبة لا تَرْحَمْ، كانت تقول لي كلّما ذكّرتُها بذلك :

- إنك مغربي، ولا تزال سمات الجمال المغربية القديمة تسكنك؛ الامتلاء والبياض، تماما مثل جدّك...

متّكئة، تنظر مُباشرة في عينيّ وهي تتكلّم بهدوء كمذيعي آخر الليل، وتبتسم بتواطؤ جميل ولا تختلف معي كثيرا حول الأمور. حين لا يُعجبها كلامي تُقطّب قليلا، دون ضرر،وتعقب ذلك بابتسامة لطيفة، وكأن العالم لا يحتمل الاختلاف. أما أنا فكنتُ أداعب ظهرها بطرف أصابعي بلطف وبطء لم اعتده في نفسي، كنتُ هادئا تماما ومرتاحا وذهني صاف تتوارد الصور عليه -كعادتي حين أرتاح - لا أبذل مجهودا كبيرا في التفكير، ويستدعي ذهني ذكريات جميلة. ظلَلتُ أفكّر في هذه المنّة التي نزلت من السماء وأسعدَتْني وأعادت التوازن إلى روحي التي أنهَكَتْها المطارق، فأحيانا تُزعجنا الحياة بقسوتها وتقصمُ ظهورنا حتى نرى أن لا خلاص، لكن لحظات كهذه تتخلّلها العتمة والاطمئنان تجعلُنا نفكّر أن الحياة تستحق العناء.

ثم إنني كنتُ أمرّر يديّ على شعرها وأداعب خدها مُسترخيا وأهمّ بالكلام، حين تحركت ريحٌ خفيفة لم تُزعجنا كثيرا بل عَمّقتْ إحساسنا بالراحة. كان صوت البرد بالخارج يمنحنا دفء اللحظة، ونظارتها ويُطَمئِنُنا بأنّ جميع الناس في بيوتهم متواطئين حول الدفء والاطمئنان. تحرّكت الريح في الخارج ولم نتحرّك لكن باب غرفة الصالة الصغيرة اندفع بقوة فجأة وارتطم بإطاره. الصدمة كانت قوية وأحدثت صوتا مدويا غطّى صداه المكان..ابتسمتُ ابتسامة خفيفة لمعرفتي بِحال منزلي الغريب، والذي أُرجعُه في لحظات كثيرة، بعد تفكير عميق،إلى قوىً تصعد من الأسفل، حيث مكانها الطبيعي، لتسكن معي وتلازمني لوقت حين تضجر من بخور الدار السفلى ومن تَعَازيم صاحب الدار الذي أكتري شقته العليا، ورغم أني لا أميّزها إلا أنني أفهمها وأحسّها.. أما حبيبتي فجمّدها من الرعب اصطفاق الباب: لعل إحساسَها المبهم الدائم بوجود شخص يُراقبنا قد استيقظ من جديد؛ فقد كانت تخاف دائما من متلصّص قد يُسجّل استغراقها في النشوة والعتمة فيقع المحظور.وما كان يُؤكد لها وجوده هو أنها تحرصُ على إغلاق الأبواب والنوافذ حين تدخلُ ، وعلى الرغم من ذلك، تنفتح فجأة، ويدخل البرد فيُوقظنا من الحلم اللذيذ. وانسجاما مع قناعاتها التي ترسّخت بفعل التجربة في هذا المنزل الغريب، كانت تلحّ عليّ أن أغيّر المكان لكنني كنتُ أرفض وأضحك منها ومن تفكيرها، لم أكن أنفي ولا أُثبت وجود آخر،كنت أحاول أن أسْخَر من أوهامها لأطمئنها لكنني أُتبع سخريتي بابتسامة ملغزة حيرى تقع في المنتصف..ابتسامة سوف أدفع ثمنها غاليا، بعد مرور الوقت، حين يتبدى لي أن ما كنت أعتقدُه مجرد افتراض صحيح تماما ويسكن معي، بل وبداخلي..

كنت أهمّ بالوقوف لإغلاق الباب الذي تحرّك بفعل الريح حين قالت :

-خلّيك مَرْتَاحْ. وقامت .

لم تُغلق الباب،كأنّما نسيتْ أو تجاهَلَتْ،وانحدرتْ باتجاه المطبخ( لعلّها تريد إحضار مشروب).

و تأخّرتْ.

تأخّرتْ بما يكفي..

وأنا بقيتُ متّكئا هادئا أفكّر في علاقتنا وأُقلّب الصوّر في ذهني على كلّ أوجهها..

تذكرتُ حياتي معها وكيف فهمنا في النهاية أننا قدرُ بعضنا..

عاد إلى ذهني الكثير من الوقت الذي أمضيناه معا في الرباط حين كان التشرّد صديقا حميما. كيف التقيْنا أول مرة هاربَيْنِ من حياة بائسة لم نخترها هناك...ثم كيف افترقنا لنلتقي مرة أخرى في هذه المدينة الصغيرة، كما لو أنّ القدر رتّب لنا موعدا مع الحب..والحبّ دائما يُشفي..

في المرة الأولى للقائنا كنا هاربَين من عصا البطالة والبوليس ومن حياة مُفعمة بالعُنف والأسى والحسرة. مُعطّلان غضب الوطن عليهما فسدّ الأبواب والنوافذ..

وفي المرة الثانية، وبعد مرور سنوات،التقينا ونحن هادئَين ممتلئين بالواقع وكانت قد فهمت الأشياء حقّ الفهم. ربّما بسبب المعرفة والتجربة.عرفَتْ على الأرجح وقتها بأنني قدرها وأنّها لن تستطيع ربح حياتها من دوني..

تذكّرتُ لقائنا الثاني،بالصّدفة، في هذه المدينة،بعد فراق طويل. و تذكّرتُ انغماسنا في بحر الحب دون هوادة .

كان ذلك بعد أيام على قدومي هاربا من قدري، كأنّما جئت باحثا عنها. يومذاك رأيتُها واقفة بالصدفة،على درج الجامعة، كانت كما لو بانتظاري فخفق قلبي وعرفتُها رغم السنوات التي بدّلتها قليلا. لم تتغضّن ولم تكبُر بل ظلّت طفلة لا يبدو الشقاء على وجهها سوى حين تكتشفُ كِذْبها. كانت كعادتها تماما تنظرُ بشرود إلى لا مُحدّد..

كنتُ أحملُ ملفا كبيرا وأقف أمام باب الكلية لأجل أمور مُستعجلة تهمّ عملي. أردتُ أن ألتقي عميد الكلية فلم يتسنّ لي. رتّبتُ معه موعدا آخر وخرجتُ لكن الحبّ كان بانتظاري بعد جفاف طويل يبست فيه روحي..رأيتها واقفة في صفّ طويل وكانت ترغب-كما قالت- في تسجيل قريبتها..وَضعْتُ يدي على كتفها بحنان فأدارتْ وجهها وتفاجأَتْ بوجودي.لم تُخف فرحها وصاحتْ:

- عبد الحق؟

لم نتعانق كما يُفترض.سلّمتُ عليها بهدوء رغم أنّ داخلي كان عاصفا وسلّمتْ. تكلّمنا قليلا في عموميات الحياة وسألتْني عن سبب زيارتي لهذه المدينة. لم أقل لها كلّ شيء وراوغتُ. سألتُها عن سبب تواجدها هنا، فقالت إنّ قرية أسرتها ليست بعيدة، وإنها جاءت إلى هذه المدينة بعد فراقنا في كزا وعملت في مكاتب كثيرة سكرتيرة قبل أن تنتهي إلى مكتب محامية.قالت إنّ القربَ من العائلة يمنحها الأمان ويجعلها مرتاحة. ذكرت كلمة الراحة مرات عديدة حتى شككتُ في المعزى.كدتُ أسألها عن صديقتها التي أغرَتْها بالهرب من مصيرنا المشترك، هل قادَتْها إلى فُندق؟ لكنني وجدتُ الوقتَ غير مناسب لهذا الحديث فصمتتُ. دعوتُها لشرب قهوة فوافقَتْ. تناولْنا في مقصف الكلية الذي يعجّ بالمحبّين والمحبّات شايا كثير السكر (لعلّ صاحب المقصف يضعُه خصيصا ليزيد من طاقة الشباب). أكلْنا خبزا يابسا، وضحكْنا كثيرا حتى والنكت التي نحكي بسيطة، وهذا ما قادني إلى اليقين بأن الضحك حالة، لا تستَوْجْبُ أسلوبا حين تكون الظروف مُهيّئة لها بل هي كيمياء تتمشى بين العروق. تمشّيْنا في شوارع المدينة اللطيفة، ثم وَجَدْنا نفسيْنا قرب البحر.حكيتُ لها القليل عن حياتي في أوروبا بعد فراقنا وعن هجرتي عبر قارب سري، حكيتُ لها عن نعيم أوروبا.كذبتُ وبالغتُ لأنتصر على تلك اللحظة الماثلة دائما أمامي حين تركتْني في محطة القطار بالدار البيضاء. تحاشيتُ الحديث عن التشرّد الذي عشته في أوروبا رغم أنها قاسَمَتْني بعضه في الدار البيضاء،لأنه قد يزعجها كما خمّنتُ، فالنساء يبحثن عن الأمان لا عن المشاكل. كان حديثي خليطا من الصراحة والكذب لأننا لا نستطيع أن نكذب بدقّة إلا إذا بَنينا كَذِبَنا على وقائع نصف حقيقية كما قدّرتُ دائما. كذبتُ وقلتُ أنني كنتُ أعمل في شركة للملابس وأَقْبِضُ باليورو، وإنني في هذه المدينة أشتغل مع جريدة محترمة وأقبض جيّدا لأنّ صديقا لي هاتَفَني وطلب مني الحضور للاستفادة من خبرتي في تحرير المقالات..رأيتُ في عينيها ما يشبه الفهم والتقدير. كانت تقول في داخلها إنّها تُقدّر كذبي وكبريائي..لم أستطع أن أقول لها الحقيقة يومذاك :إنني بعد فراقي معها لم أحض بعملٍ فتعذّبْتُ في كزابلانكا ثم هربتُ إلى أوروبا بطريقة ملتوية، بعد أن سُدّت الأبواب في وجهي، تشرّدتُ هناك، وحين عدتُ خالي الوفاض وجدتُ البلد قد تغيّر كثيرا، فاحتميتُ بهذه المدينة الصغيرة، واتجهتُ إلى العمل بجريدة حديثة النشأة، تدفع لي مالا قليلا، وتكلّفني بمهام غامضة لم أُدرك يوما مغزاها.إنها حياة بائسة لشاب يمتلك شهادة لا تُغنيه، لكنها حياتي. وهي عموما ليستْ حياةً مختلفة أو نموذجا خارقا، فأمثالي في كل الشوارع والمدن دون حساب يتعرضون للرّكل والرفس والوصف بأقدح النعوت ويُتّهمون بالكسل والتراخي. إننا في نظر الكثيرين مجرّد كائنات بغيضة ولا حاجة للعالم بنا ومن الأفضل لو تمّ شَحْنُنا،مثل النفايات، إلى مكان بعيد..كنتُ أعرف سهام وأعرفُ جُبنها. لم أقل لها إن مقامي بأوروبا كان دون جدوى، وإنني لم أستطع تحقيق المبتغى في الخارج، ولهذا عدتُ مجروحا. قلتُ لها أمورا كثيرة قرب البحر واكتشفت فجأة أنني لم أتكلم منذ مدة طويلة كل هذا الكم من الكلمات، و كان الوقت قد تأخر قليلا، وضباب كثيف يغطي الشاطئ. جلسْنا على الرمل وتحادَثْنا بهدوء. وجدتُ نفسي أشعر بأمان غريب لم أحسّه منذ زمن بعيد. كان الوقت يمضي وأنا لا أحسّ به. وجدتُ نفسي أنغمسُ في زمن ميت واقف، بلا حركة، عكس كل أيامي التي يُقلقني فيها الزمن؛ ففي بداية عملي، كنتُ أستيقظَ من النوم و أركضُ إلى باب الجريدة وأفتح المكتب ولا أرتاح إلا وأنا أكتشف أن العالم نائم. لا شيء ينْضافُ إذا استيقظتَ باكرا في مدينة تعيش بهدوء، مدينة الراحة والسكون، الناس فيها ينظرون إليك بريبة إذا تحرّكتَ أكثر مما ينبغي..كنت مهموما بالزمن منذ مجيئي،خصوصا وأن تجاربي في الدار البيضاء علّمتني أن وقتي ليس ملكا لي، كُنتُ عبد الوقت هناك، وكان في مُكنة الجميع امتهان مساحتي الخاصة...أما في ذلك المساء الذي رسم لقائنا الجديد،أمام البحر، على غير عادتي، فكنتُ هادئا معها وقد أََسْعَدني ذلك ،ثم وجدْتُ نفسي أقترب منها كثيرا لنتلامس ونحتكّ، ووجدنا نفسيْنا نتبادل القبل فجأة؛ قُبَلا طويلة محمومة لعاشقين لم يلتقيا منذ زمن وانكسر الكبرياء. الظلام أسْدل ستاره على البحر وعلى المدينة، وبدا لنا طيفُ مركب غارق بعيد لم يرفعه أحد فبدا مثل الذكرى التي تنفع الصيادين، أضواء الفنار تمضي وتعود، والناس غادروا المكان وتركونا لوحدنا نعيش ما تيسّر..على الرمل كنّا قريبين من صخور انحسر الماء عنها بفعل الجزر، ملتصقين وحيدين مستمتعين، الليل ليلنا والحياة جميلة.. ثم إني كُنتُ غارقا في النشوة ورائحة البحر في خياشيمي، حين رأيتها تنهضُ مسرعة وتنفضُ الرمل عن ثيابها وتُعدّل شعرها وهي تُمسك مقبض الشعر بأسنانها. لم تنتظر سؤالي ولا دهشتي، فقد أشارت برعْب إلى فَرَسَيْن يقتربان منا. أجفلتْ سهام بسرعة ولم أفهم في البداية . حاولتُ تهدئتها لكنها قالت :

-البوليس.

وأضافت بتدقيق من يعرف جيدا هذه الأمور:

-حْمِيرْ. كَيْخَلّطوا كَلْشي.

قلت لها :

- لا تَخافي.

-وإذا جاؤوا وسألونا واستفزّونا؟

- مَتْخَافيشْ. أنت خطيبتي ، أو زوجتي ! ومستعد للذهاب معهم إلى أبعد الحدود.

لقد عرفتُ البوليس جيّدا، وذُقت طعم هراواتهم في كل المدن؛ في الرباط وأنا أعتصِمُ أمام البرلمان لأطالب بالشغل، وفي الدار البيضاء وأنا أشتغل في مهن حقيرة لأعيش؛ بنّاءً وبائع خردة ثم بائع تين على عربة صغيرة وأحيانا مشرّدا بين الأزقة. عرفتُهم أيضا في أوروبا عندما فرضوا عليّ الركض وراء سيارتهم مثل عبد من القرون الوسطى للوصول إلى مقرّهم، قبل أن يشحنوني إلى البلد مثل بضاعة فاسدة. وقتَها فكّرتُ أن بوليس المغرب لا يختلف عن بوليس أوروبا. كل بوليس العالم لحظة الحزم سواء. ورغم أنّها أيضا جرّبت بوليس الرباط وهربتْ منه، إلا أنّها في هذه الحالة لم تخشَ غير الفضيحة. بدا لي بأنّ شرطة الشاطئ أكثر وداعة من الملائكة.إنهم مجرّد شباب يتفقّدون المكان ويؤمّنونه. يؤمنون بالحب أيضا ويسعون له، وإذا لم يجدوك في وضع سيء فلا خوف عليك، قد يمازحونك ويمضون إلى حال سبيلهم.(في هذا البلد حريّة غريبة يصعُبُ تفسيرها، لكنها جميلة ومُمتعة؛ فما يمنعه القانون المكتوب لا يمنعه قانون الواقع بالضرورة، لأنّ المجتمع تطوّر كثيرا وتجاوزَ القوانين التي تحكمه، المهم ألا تؤذي أحدا ويمكنك أن تعيش بسلام). لم أنتبه في غمرة الاندفاع، إلى ما أطلقتُ من كلام حول أهميّة سهام عندي، لم أكن أقدّر قوّة كلامي ولا معناه وأنا الذي لا زلت معلّقا بين السماء والأرض، أنا الذي لم أجرؤ على قول هذا الكلام طوال علاقتنا في مدينة الرباط حتى في غمرة العبور العميق. لكن الخيّالة مروا ولم يلتفتوا إلينا. كأني رأيتُ أحدهم يرمُقنا بنظرة خفيفة ويمضي..تساءلتُ بعد ذلك عمّا دار في خلد الشرطي وهو يمسك بزمام فرسه ويفوتنا؟ كنا قد بدأْنا في تلك اللحظة نحثُّ الخطى باتجاه مقاهي الكورنيش الهادئة حانيين رأسينا كمذنبين أو كمن لا يبالي. بدا أن كلامي كان قويّا ومطمئِنا ومطلوبا في تلك الحالة ( هل كانت تختبرني؟)، مشيْنا وهي تُمسك بذراعي، حتى وصل إلى عروقي صدى ضربات قلبها، أحسستُها تلتصق بي كأنما ترغب في ضمّي أو الالتحام بي كليا وقد زاد ذلك من شهوتي...

تأخّرتْ عنّي مزيدا وأنا في الصالة غارق في تذكّر أيّامنا الأولى في هذه المدينة الصغيرة.كثيرا ما أقف في منتصف حديث من أحاديثنا وأعيد تذكّر بدايات علاقتنا لأقيّم الوضع كما أفعل مع كلّ تفاصيل حياتي، وها إني الآن، مشدود بنشوة الراحة بعد العبور، أدقّق في الصوّر..

تذكّرتُ ، ناقلا بصري بين كتبي المنتشرة في كل مكان وبين"الفوطوي" الأحمر الذي اشتَرتْ لي من نقودها القليلة (لأنها لا تحبّ الأسود الذي اخترتُ) لحظتنا الجميلة الأولى داخل هذه الصالة ..

رَاودت ذهني صورٌ كثيرة. واستدعيتُ صورتها،على الخصوص، حين بكتْ في أول مرة عَبَرنا فيها مسار اللذة بعد طول فراق..هل كان بُكاء من الشوق واللذة أم من الخوف أم من أمر لا أُدركه..

في أول مرة عبَرْنا فيها نحو دروب الغرام، بكتْ سهام بكاءً صامتا. لم أُطَمْئِنها كما ينبغي لأن طاقتي للكلام كانت قد دوّت. كنتُ أحسّ تعباً شديدا شلّ قُدرتي على الحديث، كنتُ أحتاج إلى الصمت والهدوء وتأمّل الحالة كما الآن. ذلك أني أمضيتُ النهار كله محاولا إقناعها بالمجيء إلى شقتي(مجرد زيارة لا أكثر. دون وعود) كان أمرا عسيرا،استعملتُ فيه كل وسائل إقناعي، بما في ذلك تلك التي لقّنني إياها عثمان الفيلسوف،زميلي في الجريدة،الذي أخبرني بما ينبغي عليّ أن أفعل، وأنا كُنت أستمع إليه طائعا مستسلما، مثل تلميذ فاشل،كأني ما عرفتها من قبل. ضحك عثمان وسألني :

- هل تحبها؟ أم هو الجسد فقط؟

ثم نظر في أوراقه ودوّن شيئا ما، قبل أن يُوضّح لي ما عليّ فعله..ففي مدينة صغيرة مثل هذه، يراقب الناس فيها بعضهم، يَحرم على العزاب أن يعيشوا حياة هانئة، لهذا عليهم أن يراوغوا لإدراك السّبل...

لم أشأ أن أخبر عثمان أن التي يتحدث عنها حبيبتي القديمة، ولم أشأ أن أقول له إن سنوات الفراق وضعت بيننا سياجا من الخوف ومسافة كبيرة أصبحتْ تتحكّمُ في خرائطها..اكتفيتُ بالإنصات لما يقول وهو الذي ظنها صيدا جديدا..

مرّت الأمور كما لم أخطط، فحين دعوتُها للغداء، استبَقتْ كل الكلام كأنما تعرف الحكاية ورفضت. قالت إنّ علاقتنا لم تعد كما كانت، وإنّها الآن مختلفة عن الماضي.

-فخْبَارَكْ لْتَازَمْتْ. قالت لي.

واكتشفتُ لأوّل مرة- ويا للغرابة- أنّ الفتاة التي فارقَتْني في محطة القطار بكزابلانكا وهي تلبسُ الجينز وتترك شعرها مستريحا على كتفها ترتدي حجاب الرأس.ولبرهة خفتُ أن تقول بأنّها قد ارتبطت بشخص آخر أثناء غيابي لكنها لم تقل .هكذا وجدتُني أرتجل كلاما كثيرا عن أهمية أن يكون للإنسان مكان حميمي يلتجئ إليه، وكلاما تافها عن الثقة لا محل له، ثم إضافات لا تُغني حول الالتزام الذي هو في النهاية حوار بين شخصين لا امتناعا عن المجرى. ثم تنكّرتُ تماما لنصائح الفيلسوف وقلت لها :

-لا أريدك على سريري كما في الماضي، أريدك أيضا في مطبخي .

ابتسمَتْ قليلا لهذه العبارة المسرحية، رغم ما تحمله جملتي من سذاجة، ثم قطّبَتْ. ووجَدْتُ أن تلك العبارة السخيفة التي التقطتُ من فيلم أجنبي قد أعجبتها إلى حدّ ما وإن حاولتْ إخفاء ابتسامتها، لكنها مع ذلك دخلتْ معي في نقاش طويل عن الحلال والحرام، وأن الشيطان سيكون ثالثنا إذا زارتني. أُسقِط في يدي، وكدتُ لا أعرفُ هذه الفتاة التي أمضيتُ معها الشهور في غرفة حقيرة بضواحي الرباط وسلا. وقتها كانت منفتحة على التجربة وها هي ذي الآن تدور دورة كاملة في الاتجاه المعاكس. لم أعرف ما أفعل إزاء بنت تخرجَت من الجامعة وعاشرتِ النضال لفترة وهتفتْ للتغيير،التي أصبحت تؤمن بأن تقبيلي في الشاطئ مقبول،لكن التواجد معي في المنزل لنتغذى حرام. كانت علاقتي معها في الماضي أسهل بكثير.عبور إلى الجسد دون ضرائب أو حب. كانت سهلة وطيّعة وتعرف ما تريد، وهي التي اقتَحَمَتني. ولهذا كان فراقي معها في ذلك الوقت مثل سكين غادر، فقد خرجتْ من حياتي بالسرعة والمفاجأة التي دخلت بها..

كنت أعرف أن رفض سهامّ المجيء عندي مجرد مناوَرة، لأن الكثير من الفتيات، من بنات المدن الصغرى، ينظرن إلى السقوط الأول مثل راية بيضاء، لابد من الممانعة كثيرا قبل رفعها. خصوصا إذا وضعنك ضمن قائمتهن ولم تكن مجرد عابر.لاحظتُ لأوّل مرة أن السنين قد غضّنت جبهتها قليلا وغيّرت أراءَها وجعلتها مكشوفة وتدعو للشفقة. بدأتُ أحسّ حرارة ً في الجو، أو لعلني توهمتُ ذلك بفعل حرارة النقاش والقلق الذي يحوطني. مع ذلك لم أيأس، وأخبرتها بأنني لا أهتم للجسد،قلتُ لها إنّني أعرف خريطتها كما تعرف خريطتي(قلتُها بوقاحة غير معهودة)، وأن بإمكاني-لو فكّرت في الجسد- اقتناص النساء وقتما أريد،فالمدن مفتوحة على المزاج لكني حدودي.

- ثُمّ إنّي أُحبّكِ.

خرجت الكلمة من فمي مثل ريح بلا معنى،كأنّ شخصا آخر نَطقها،وتعجّبتُ لأجسادنا التي تنطوي على أسرار لا نفقهها لكنّها تقفز وقتَ الحاجة لتحلّ المشاكل أو لتُحرجنا . قلتُ لها من العيب أن تفكّري في نفسك على هذا النحو، وأنتِ المتعلمة. لأنني أريدها معي في فضائي كي نعيش لحظة مختلفة بعيدا عن رقابة الأعين في المقاهي والشاطئ ونعود إلى سابق عهدنا. كنتُ كاذبا بشكل صادق، وربّما صادقا بشكل كاذب، فذكّرْتها بخطورة الخارج، الذي يبقى مُبهَماً ومُشرَعاً على الاحتمالات، وباليوم الذي كادت تموت فيه من الرعب حين اقترب بوليس الشاطئ منا. ضحكَتْ خفيفاً لكنها رغم ذلك ظلّت على موقفها(كأنّ الملعونة تتلذذ بيأسي). ثم اكتشفْتُ في غمرة كلامي، بأنها حربٌ بيني وبينها..

في الطريق الذي يأخذنا طويلا ولا نحسّ به بل يأكُلُه الكلام مثل طعام هشّ أو غبار،صفا ذهني فجأة كما لو أنني مسحتُ قطعة زجاج صغيرة يغشاها الضباب فبانت الحالة. ظهرتْ لي حقيقة الحرب التي أخوضُ بهمة من يدافع عن آخر حصن. وتلك كانت حالتها أيضا. وهي حرب أدركتُ تفاصيلها جليّا في ما بعد، وتأكّد لي في لحظات صفاء تُراودني بين الفينة والأخرى، حين أكون في داري على كرسي أعددتُه خصيصا للراحة والتَّخَمُّمِ داخل المطبخ، أنّ خلاصة كل علاقة بين رجل وامرأة هي حرب قد يختارا أن تكون صامتة أو مستعرة حسب ظروفهما وسخونة الدم والتجربة. هكذا اكتشفتُ وأنا أناقشها يومذاك بأن الموضوع الذي كان اختياريا-ويُفترض أن يمرّ بسلاسة عجيبة تجعله مدعاة للفخر ومحفّزا على الذكرى ومثيرا لفضول عثمان الذي لا يُزعزعه شيء- قد تحوّل إلى نقاش أكثر جدّية من قضيتيْ فلسطين والعراق- فحزِنْتُ. أنا الدون جوان الذي لم يستطع أن يقودَ امرأة،مضى على علاقته بها سنوات ومرّت بينهما المياه،إلى منزله. ثمّ تحوّل حزني تدريجيا إلى غضب، خصوصا حين تذكرتُ الطريقة التي سيسخر بها مِنّي عثمان. تخيّلتُه جالسا على المكتب الجديد، بمقرّ الجريدة ، الذي تنبعث من أثاثه رائحة الخشب القويّة يُتابع حديثي بانتباه (بنظارتيه اللتَيْن لم أكن أعرف يوما مهمّتهما، إذ يرفعهما ليرى الجالسَ أمامه، لكنه لا يستطيع النظر عبرهما مباشرة). تخيّلتُه يَسْتمعُ لي مفتعلا الجدّية والاهتمام، وحين أضعُ أسلحتي وأعرّي هشاشتي أمامه، وأُصرّح له بكل شيء وبأدقّ التفاصيل، يقفزُ من مكانه ويزعزع أركان المكتب بضحكه الهستيري.قدّرتُ أن عثمان سيظلّ يَسخر مني لشهر وأكثر وربما لما تبقى من عمر في علاقتنا، وهذا ما زاد من إشعال غضبي..مشيْنا صامتين.حاولتْ أن تفتَحَ مواضيع كثيرة للنقاش وكنت أُجيب باقتضاب.كنتُ مجروحا، وكانت تبحث عن مخرج لهذا الصمت الذي بدا ثقيلا بيننا، وتخيلتُها لبرهة وهي تعتذر، أو أحسَسْتُ بأنها ترغب في ذلك لكن كبرياءها يمنعها، تمشّينا على غير هُدى ووجدْنا نفسيْنا فجأة أمام شقتي. دون ترتيب، ودون كلام دخَلْنا..

في هذه الصالة بالذات، التي تتسارعُ فيها الآن ذكرياتي، حدث ما كنتُ أشْتهي بعد تمنّعها الطويل.ثم حدث بعد ذلك في المطبخ بلذة أعلى عادت المياه خلالها إلى المجاري. أدخلتُها لترى غرفة النوم والمطبخ ثم عدْنا إلى الصالة. أَرَيْتُها غرفة النوم أولا لنكسِر كل حاجز وأُبْديّ حسن النوايا. دَخَلَتْها وخرجَتْ منها بسرعة كمن يهربُ من رغبة آثمة بعد أن تمعّنتْ جيدا في السرير. وفي الصالة، و بارتجال مُفرط، على "الفوطوي" حدث بيننا المقدّر. كان عُبورا مستعجَلا لم أشْعر فيه بلذة، بقدر ما شعرت بانتصار لأنّ ذلك سيفتح بابا ورديا للعبور. جلسْنا في البداية مبتعديْن ثم تقاربْنا وفاجأَتنا اللذة ونحن نلعب بأصابع بعضنا، كان واضحا أن كِلانا قد امتلأ بالرغبة الصريحة. تبادلنا قبلاًَ صغيرة في البداية وكانت تهرُبُ من البَوْسِِ حين ترى اشتعالي. رأيتُها متردّدة بين شهوتها وخوفها،وأحسسْتُ الصراع بداخلها واضحا.ثم تلاحمنا طويلا فلم نتمالك بعد ذلك نفسيْنا وانغمسْنا في مسار راعيتُ فيه وضعها. قالت وهي تحذفُ الحواجز وتكشفُ عن دُررٍ لها معانٍ، تُخالجها رَجفة الشوق واللّهفة، كأنّما لم أعرفها من قبل،ما معناه إنها لا تريد للمسار أن يُفضي بنا إلى انحدار أركب فيه صهوة النهار كاملة. لكنها لم تُعبّر عن ذلك بكلمة واضحة، بل رَفَعَتْ أصبعها وخفضتْ عينيها ونطقتْ كلمة واحدة محذّرة خَجلة :

-ولكن....؟

فقط تلك ال(ولكن ). و تذكّرت ذلك الأصبع وتلك الولاكن التي كنتُ أسمعها كل مساء في سلا حيث كنا نلتقي.فهمتُ ما ترمي إليه. أومأتُ برأسي أن نعم،( لقد فهمتُ).ثم انتهى كل شيء في لحظات قليلة كما لم أتوقّع وكما لم تتوقّع على الأرجح. وبَكَتْ.لا أدري لِمَ. لكنّها بكَتْ. حينها لم أطمْئِنها كما ينبغي،بل بقيتُ مشدوها بعد الانطفاء، مثل طفل وَجَدَ نفسه فجأة في زحمة، لا يعرف ما يفعل.

بعد ذلك، أثناء خصوماتنا التي تشطر العلاقة وتُربكها، في علاقتي مع أخريات،عابرات أغذّي بهن عزلة انتظار رجوعها، سيكون عليّ أن أدّعي المواساة بعد أن يدّعين بدورهن الحزن.(لابدّ لكلّ لذة من ندم يعقبها كمّا قدّرتُ دائما)، وذاك ما يكون في اللقاء الأول ثم نتدرّب بعد ذلك على المتعة الخالصة، وحتى ونحن لا نستطع كبح جماح الذنب، فإنّنا نتمكنّ من ركنه في منطقة معتمة من الروح لا نهيّجها.. حدث الأمر أيضا على الكرسي الطويل في المطبخ، وهناك كان الاستسلام طوعيا يغذيه انكشاف السرّ وحضور الرغبة والذكرى العاطرة..

ثم ها إني في الصّالة. غارقا في تأملاتي التي طالتْ وأنا أنتظر أن تُغلق الباب وتعود. لكنها تأخرتْ. الصرير لم يتوقف، حتى انتبهتُ إلى وحدتي وإلى لازمة الباب الذي خلق دوائر الزمن حولي.

بدتْ وحدة ثقيلة فائضة مُريبة مثل هدوء سيليه أمر عاصف..

مرّ ربع ساعة تقريبا. لم أشأ إزعاجها بالنداء ظنا مني أنها كانت تقضي حاجة ما أو ترغب في الخلوّ إلى نفسها قليلا. (شيء ما شاعريّ في روحها لا تُفصح عنه.أحيانا تخلو إلى نفسها في المرحاض ولا تتكلم. وحين أستفسِرُها عن الأمر تتهرّب من الإجابة وتقول إنها لحظة لا حقّ لأحد في مشاطرتها)..لكنّ وقتا طويلا مرّ ولم تعد.. حين قرّرتُ أن أناديها أو أقوم لأبحثَ عنها، رأيتُها تعود فجأة إلى الصالة، وقبل أن أبادرها بالكلام، ارتدتْ ملابسهاَ و لمْلَمتْ أشياءها على عجل وخرجت مُسرعة، دون وداع، مثل من يفرّ من وحش كاسر يتعقّبه. كان وجهها متورّدا وعيناها متّسعتان كمن صادفَ الموت..

لم أفهم أي شيء. وتساءلتُ للحظة إن كان ما تفعله مجرد مزاح؛ فقد اعتَدْنا النيلَ من بعضنا أحيانا ونحن ندّعي الغضب أو الحزن أو الغيرة، كنّا نختبر المشاعر المزيّفة لكي نعطي نكهة لعلاقة أصبحت تتقادم مع مرور الأيام. قلت لنفسي: ستعود بعد قليل ضاحكة. لكنها لم تعدْ. خرجتْ لتغيبَ عني مخلّفة سكونا واضحا غطّاني. بقيتُ قليلا من الوقت ثم نهضتُ من مكاني. مضيتُ إلى المطبخ الذي تعّم في أرجائه فوضى مُزعجة لكنني اعتدتُها: أوان وصُحون ومياه قديمة في الحوض. تجّولَ بصري في الأنحاء بحثا عن جواب لأسئلتي، وقبل أن تطول دهشتي وأعوم في التساؤلات، فوجئتُ بمشهد غير متوقع: فعلى أرض المطبخ كانت أوراقي التي أحرصُ كثيرا على وضعها في مكان آمن، متناثرة في كل مكان. كنت أعدّ على الأرجح قبل حضورها شيئا لآكله، وحملتُ أوراقي إلى المطبخ لأراجعَ فقرة ثم نسيتُ الأوراق هناك. كانت متناثرة بشكل عشوائي.حينها خمّنتُ سبب خروجها بتلك السرعة ..

لملمتُ الأوراق وأعدتُها إلى مكانها. ثم لبرهة، بقيتُ ممسكا بآخر حزمة من الأوراق، قبل أن انتبهَ إلى ما كنت أُشَكّلُه بالذات في تلك اللحظة، وهو ما كنته على الدوام في هذه المدينة وفي زحمة الحياة التي عذّبَتني: رجل عار ووحيد، يمسك بحزمة أوراق في مطبخ..

الناشر

دار "ثقافة" ابو ظبي، دبي، بيروت ودار "الأمان" الرباط - المغرب

كاتب مغربي، مقيم في أغادير

azizrachdi@gmail.com