الكليب الشعري في أضمومة "خنثى العنكبوت" للشاعر زروال )
دراسة للناقد الأستاذ عبد السميع بن صابر
تقديم:. .
من عادتي أن أضع يدي على قلبي كلما صدر ديوان شعري جديد، ليس ارتياحا أو اطمئنانا، بل تحسبا لصفعة جديدة يجود علينا بها في كل مرة شعراؤنا وشواعرنا، كانت آخرها صفعة شعرية لم تجد لهما من مرتع غير ديوان اختار له صاحبه من بين الأسماء "سأموت قريبا"، وإنني إذ أنتهز الفرصة لأشكر الفراغ الذي جعلني أتم الديوان، فإنني أعرج على نادل مقهى "تاهيتي" لأعتذر له عن الوقت الطويل الذي كنت أقضيه هناك "عاصرا" على براد شاي طيلة النهار وأنا أعذب عيني متنقلا بين صفحات "سأموت قريبا"...
أيها الشاعر العظيم، أنا لست حزينا لأنك جعلتني أرتكب معصية بقراءة ديوانك، بل من منبع الحزن ومصدر شجني هو أن تخلف وعدك بعدما صدقت أنك ستموت قريبا، فو الذي جعل أمثالك يسقون من الدنيا شربة ماء.. أنني اتصلت مرارا بصاحب دار النشر (نشر الله ظهره بالمنشار) متطلعا إلى موتك الموعود بعد قراءة ديوانك، إلا أن عشواء زهير أخطأتك فلا بارك الله في عمرك...
أتذكر ديوانك سيء الذكر ذاك ببداههة استيطيقية، وأنا أطالع الآن ديوان الشاعر الكبير "زروال" الصادر مؤخرا عن دار سيزيف للنشر والتوزيع بالقاهرة، والذي رصعت حروفه 120 صفحة توجت بعنوان يكرس نظرية عبد الفتاح كيليطو حول الأدب والغرابة.. عنوان الديوان انتخبته القصائد نفسها فكان "خنثى العنكبوت"، وقد جاء منقوشا باللون الأبيض دلالة على الصفاء وعودة الروح واسترجاع للاستقرار الفكري وتوازنه بعد لأي، إذ أنه اخترق حمرة الديوان، حمرة مرحلة لا يمكن للشاعر زروال نكرانها حتى ولو أبى، إنها مرحلة الشيوعية التي عُرف بها خلال سبعينيات القرن الفارط، وتجدر الإشارة إلى كون شاعرنا معتقلا سياسيا سابقا بسبب آرائه ومواقفه وأفكاره اليسارية الصرف (للإشارة كلمة الصرف لا تؤنث يا من من ننتظر موته قريبا ولا نزال)..
يقول الناقد شكيب أريج في معرض حديثه عن "خنثى العنكبوت": "الالتفات إلى العنكبوت هو بمثابه إنصاف انتظرناه طويل لينعم به هذا المخلوق المنسي الجميل، بعدما استأثرت - لزمن طويل - مخلوقات حشرية وزاحفة وطائرة بالقول الشعري (الفراشات، البجع، الديناصور، النحل، الخرفان..إلخ).. وفي إطار قراءتنا السيميولوجية للعنوان، لن نشيح عن كلمة "خنثى"، فقد جاء في تقديم الناقد الياباني يوكو ياما " أعجب لكل أولئك الذين يستثنون العنكبوت من التغييرات التي تطرأ على الحياة بكافة أشكالها وشخوصها، ويعيبون على العنكبوت تمسكه بالنسيج التقليدي الذي ينسجه للإيقاع بفريسته، وبعض النظر عن جفاف وعلمية ما يرى هؤلاء، فإن الأنتربولوجيا تعيد لهذا الكائن انخراطه في ثقافة مجتمعه، فكيف لرجل تحول من "نور الدين" إلى راقصة باسم "نور"؟ وكيف لشباب عصرنا أن يتحولوا من موضة "الهيبيزم" إلى عصر سروال "سليم" دون أن تنتقل عدوى هذا التحول "الجنسي" جوهريا و"السليمي" عرضيا.. إلى مخلوقنا المذكور...
هكذا يأتي ديوان "خنثى العنكبوت معيدا مقولة "الشعر (لا الشاعر) ابن بيئته" في أبهى تجلياتها... يقول زروال في احدى إشراقاته مشهرا سيف التجديد الشعري في وجوه نقاد "الكيلو": "أيها الليلُ كيف تلوكُ عناكب الشهوة كعلكةٍ مومسةٍ و الأحاجي لا تعرف عباد الشمسِ حينَ يقشرُ ليمون العتمة في حليب القمر "* إننا هنا أمام صورة شعرية متحركة، أو كما يسميها الصيني ياما كوشي "الفيديو الشعري"، والذي تطور على يد تلامذته ليصبح "الكليب الشعري"، إذ يستحيل الليل فما واسعا يمضغ فضلات الغريزة التي تنداح إلى سمائه كلما ألقى بردائه الأسود على العالم، والحكايات غالبا ما تخاصم النهار، حيث تنشغل "عباد الشمس" بملاحقة أشعة الشمس أينما ولت، لأن زمكان الحكايات والأحاجي هو الليل، حين نفتج أفواهنا وقد تحلب ريقنا مبتغين قطرات اللذة التي تعصرها الحكايات في أمعائنا.. كل ذلك والقمر يضيء سراديب الحكاية في تناغم أو ما يسميه فيتاغورس بـ"الانسجام"... الديوان علامة فارقة في تاريخ الشعر العربي إن لم نقل العالمي بوجه مكشوف، وأقول برأس عار لعموم القراء: "ليس من رأى كمن سمع " ----------------------------------------------------------------------- *من قصيدة أرخبيل التيه ص 70 (خنثى العنكبوت)
- Mesbahi Abderazzak هنيئا التقديم الجميل، أظن أن ديوانك الخارق، يحتاج إلى مقاربة منهجية، يتحد فيها بارط وديريدا، وليتش، وفوكوياما، وماثيو أنولد، وبوفـ ولوكاتش، ياوس، ومدام دي ستايل، وعزرا باوند، و بول ارمسترونغ، والجرجاني والقرطاجني، وحمودة، وأدونيس، ... والقائمة أطول من نفسي، ولا أظنهم يستكنهون جوهره، ويكشفون درره. دمت سامقا وكبيرا أيها الشاعر ( الفحل). فحل حدائي جدا.1
- الشاعر زروال الأستاذ الأديب الناقد القدير و القارئ الحصيف جداً ، مصباحي عبد الرزاق ، أرى أن الشعر الحداثي الجاد لا ينفعُ في دراسته إلا تضافر جهود مختلف مناهج النقد النفسي و الابستيمولوجي و السوسيولوجي و البنيوي و التفكيكي و ما بعد الحداثي ، نظراً لأنماط تعقيد الحياة المعاصرة في أنساق الشعرية .
رولان بارث نموذجا لا يمكن أن تتم به مقاربة ديوان خنثى العنكبوت .
تقبل محبتي السامقة سموقك الأدبي و النقدي - Mesbahi Abderazzakالشاعر العملاق والمبدع الفنيقي الكبير زروال، أتفق معك واسعا، وأحسب أن رولان بمختلف حفرياته النقدية البنيوية والتفكيكية والسميائية لم يواجه نصا بهذا الجموح، بل إني أؤكد ، دون أن يرف لي جفن، عفوا دون خوف من بروكستية محتملة، أن مفهوم الكتابة ...Afficher la suite
- نورس نورس الأستاذ الناقد الروائي القاص عبد السميع مشهود له بالرصانة والموضوعية وأرى أن شهادته تنضاف إلى شهادة الناقد الياباني الكبير..ننتظر بشغف كبير ترجمة الديوان إلى لغات متعددة.