المهلـــــــوســــــون الـــــــجدد

الجمعة، 11 نوفمبر 2011

فاتح شهية نصوص تبحث عن هويتها الأدبية

"فاتح شهية"*: نصوص تبحث عن هويتها الأدبية


"فاتح شهية" الإصدار الأول للكاتبة فاطمة الزهراء الرياض، يثير الغلاف والعنوان الشهية حقا للقراءة، بل إن العنوان يحيل على التجنيس"نصوص أدبية" فيجعل الشهية أكثر انفتاحا وأفق الانتظار أكثر اتساعا.
ولعل ما جاء في قراءة رشيد هيبا من نقد لاذع على مستوى بنية الغلاف يضيف توابل أخرى ليجعلنا أكثر حرصا وشوقا لمصافحة صفحات هذا الكتاب. ذلك أنه اعتبر خاصية غموض التجنيس خاصية قدحية، لكنه اعترف أن "هذا الكتاب يعبر على حالة فريدة التعبيرالجمالي والفني، إذ أن النصوص تفتقر إلى النضج والإحساس بذلك الفعل الكلامي الذيتمارسه"[1] والحال أن الكتابة دون تخطيط أو هندسة أو وعي تنظيري مسبق هي كتابة لها قيمتها الاعتبارية النابعة من تلقائيتها وعفويتها ولا يصح تبخيس قيمتها. ولا نخال النقاش حول " الفعل الكلامي، الذي نمارسه" إلا نقاشا بيزنطيا، لأنه سيجرنا إلى إشكالية الكتابة أولا أم الوعي بها أولا؟؟ وتجدر الإشارة إلى أن أغلب المنظرين الذين ناقشوا إشكالية التجنيس انتصروا للنص المفتوح، وعليه فإن محمد كروم لم يجانب الصواب حين قال: " مشكل التجنيس الذي يطرحه الكتاب يعتبر من نقط قوته وليسضعفه."[2]

1_نصوص تغلق الشهية:
ولأنها نصوص _ كما تبين لي بعد قراءة متفحصة_ قد غالت في تحررها وانفتاحها أكثر من اللازم، فإنني أجد أنسب وصف لها هو "نصوص" مع إسقاط  قيمة "الأدبية" التي تلزمها بقدر غير يسير من الابتعاد عن تعويم الكتابة ومن النأي عن الرغبة الكسولة في التخفف من كل التكاليف والمسؤوليات.
لقد أطلقت الكاتبة العنان لقلمها لتسيل كلماتها المعبرة عن ذاتية مفرطة بالغت في التقاط التفاصيل والخصوصيات، حتى لتغدو هذه الكتابة موجهة إلى ذات كاتبتها.
ويبدو أن النصوص تعني الكثير لصاحبتها، فهي تحمل معاني كبرى لها، لكن القارئ يكاد يكون ملغى من حسابات الكتابة، وهو بالتالي غير مجبر على التفاعل معها، فقيمة الكتابة بالنسبة إليه تقاس بمدى قوة تأثيرها.
وإن تكن الكاتبة قد عولت على أسلوب محشو بالمجازات والتخييلات والاستعارات والتشبيهات، فإنها في نظرنا المتواضع _ وهو لا يلزم أحدا_ لم تكن موفقة في استلهام مكامن الجمال في معاني الكلام، ولنتأمل الأمثلة التالية، ونقس عليها باقي الزخارف اللغوية الأخرى التي شكلت مسرحا لغويا رديئا:
_ أناشد أقلام الشوق لانتعال حكاياتنا القديمة (ص69)
_ فلا تنهزم قط لأثقال الكبرياء التي أجرها (ص66)
_ انتشلتني صرختها كشخصية كارتون (ص109)
_ فمها الواسع الممتلئ بالابتسامات حبتي رمان صافية (ص74)
_ الوقع تنم الإيقاع ثم القبوع في الذاكرة (ص88)
تعج النصوص بهذه الجمل الملتوية الدلالات، التواء فيه من التنافر والتباعد ما يبرؤه من الالتواء الفني الإبداعي الجمالي. وتأتي التراكيب معقدة في حين تظل المعاني سطحية وممعنة في السماجة والفجاجة.
وعلى افتراض أن شهيتنا ما زالت مفتوحة لمواصلة المطالعة فإن ما يجهز على النصوص هو ذلك الكم الهائل من الأخطاء الإملائية والتعبيرية والنحوية والصرفية والمطبعية، فهل من مبررات مقنعة للتغاضي على مهرجان الأخطاء هذا؟!
إن التبريرات التي يسوقها الأستاذ محمد كروم للدفاع عن الكتاب لا تبدو مقنعة، وكون الأستاذ رشيد هيبا وقع ضحية أخطاء قاتلة في تقريره/ قراءته ليس تبريرا معقولا للسكوت عن أخطاء كتاب طبع ونشر بأخطائه وزلاته. وحتى لو وقع صاحب هذا المقال في أخطاء، فإن الخطأ يسمى خطأ سواء كان في كتاب أو مقال.
ويلاحظ في نفس المؤلف أن نصوصا سمتها الأدبية وفتح شهية القراءة قد استغنت عن علامات الترقيم ولم تعرها الاهتمام اللازم، حتى أن الكتاب كله خلو من الفواصل، وعلامات التعجب، مما يدل على أن القصور موجود في رقن الكتاب. فهل يعد هذا مبررا لامتلاء الكتاب بنقاط الحذف؟؟

          2_ نصوص تفتح الشهية
وإذا كانت من فضيلة تذكر لهذا الكتاب فهي جرأة الكاتبة في زمن شحت في الأقلام، وفي مدينة يعد الكتاب والكاتبات فيها على رؤوس الأصابع، ولهذا لا نجد تشجيعا وتثمينا لمثل هذه الجهود أفضل من تناولها بالدرس والتمحيص وإيفائها حقها قراءة ودراسة. ونقصد تلك القراءة التي تعبر عن وجهات نظر تكسب الموضوع تعددا في زوايا النظر إليه، ونقصد تلك الدراسة المبتعدة عن التطبيل والتزمير والتصفيق والتهليل.
ويكفي كاتبة هذه النصوص فخرا أنها برأت يدها من تهمة القيرواني " اليد التي لا تكتب هي رجل".
وحري بنا أن نقر بأن هناك بعض العبارات والفقرات، بل والنصوص التي تميزت بحس أدبي. نقر بذلك حتى لا نظلم الكتاب في مجمله، ففيه بعض العبارات مثل الذرر:
_ عذرا.. لكل امرأة تكون الشخصية وتبحث لها عن الذات. (ص40)
_ندمع فرحا والحزن مبتسم (ص62)
_(الموضا) هي أن تكوني في الواقع وقع حوافر الخيل لا حفيف شجر (ص62)
_ لم يكن حبك إلا عصفورا صغيرا ألف النوم بشرفة ذكرياتي (ص70)
ومن وجهة نظري أن نصوصا مثل: " حب في دقائق" (ص62) و"النملة والفيل"(ص58) و"الفأر والهرة"(ص59) و"النحلة والدبور"(ص60) و"فاتح شهية"(ص81) هي نصوص كانت موفقة على مستوى الشكل والمضمون، وتميزت بوضوح في الرؤية وسلامة في العبارة.

وفي الأخير فإن كون أسلوب هذه النصوص هو أسلوب متدبدب ومتغير ومتحرك يعطي انطباعا إيجابيا ومتفائلا بأنها كتابة تبحث عن فرادتها ولا تسير على غرار نماذج مألوفة ومكرورة.. إنها تشق طريقها نحو الأفضل.

                                                                                      شكيب أريج

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أكتب تعليقا مم تخاف؟