المهلـــــــوســــــون الـــــــجدد

السبت، 3 ديسمبر 2011

«خطوط الفراشات» بحثا عن مجاهل الكينونة



«خطوط الفراشات»
بحثا عن مجاهل الكينونة


    عبد السلام دخان

تؤكد مجموعة" خطوط الفراشات"  العمل الإبداعي الأول للشاعر محمد العناز انتمائها لتربة الشعر المغربي على مستوى مكوناتها التعبيرية، وإبدالاتها الدلالية، وتشكيلاتها الكاليغرافية. و قد صدرت «خطوط الفراشات»  في نسختها الأولى عن منشوراتLA CROISÉE DES CHEMINS  وهي المجموعة الشعرية الفائزة بجائزة القناة الثانية للإبداع الأدبي 2008/2009. وتقع في 94 صفحة، أنجز الفنان  المتميز عبد الخالق قرمادي لوحتها الفاتنة في مزاوجة استثنائية بين السفر الإشراقي للفراشات ، وبين الأبعاد الإيحائية لخطوط سفرها، وما تتضمنه من طاقة تأويلية وحس جمالي.
 وتضم هذه المجموعة القصائد التالية: مِرْآة، عِشْقْ، رَغْبَة، خُطُوطُ الفَرَاشَات، القَصْرُ الكَبِير، رَقْصَةُ الغِيَاب، تَطَّفْت، دُرُوبُ دُخَان، مُكَاشَفَة، سَيِّدُ الْمَعْنَى. وترسم " خطوط الفراشات" عوالمها ومعالمها عبر تشكيل دلالي يراهن على الكثافة الرمزية للأماكن والأعلام لصياغة عمل إبداعي يلامس هشاشة الوجود الإنساني، ويعيد اكتشاف الذات المثقلة  بالإحساس التراجيدي في تعالقاتها  بالزمان والمكان، مما يسمح بالانتقال من الدلالة المجازية إلى الدلالة الحقيقية التي يخلقها النص الشعري عبر إحداث تغيير جذري في الموقف الوجداني انطلاقا من تفاعل الكينونة مع الوجود، ورصد تحولاته واختلالاته، وهو ما يفسر توسل الشاعر محمد العناز بالاستعارات القريبة بوصفها الأداة الأنسب لوحدة الذات الشاعرة مع العالم، وكأنه أنصت لنصيحة أرسطو لخلق ألفة بين الذات والوجود.
«خطوط الفراشات» ذات بعد رمزي لأنها تقوم على محور استبدالي للغة عبر الاستعارة التي تتغيا الإقناع مما يعلل هيمنة الضمير، وحجاجية المقول الشعري المتسم بشحنة عاطفية تأثيرية نابعة من انشطار الكينونة بين عالم الواقع والأخيلة المضللة. وساهمت رهافة الشاعر في اقتناص مشاهد مألوفة محايثة للتجربة الإنسانية، وفي خلق تداخل قوي بين الصور الحسية والصور المحسوسة مع الحرص على التوظيف الشعري للإيحاءات من أجل إدماج الذات في فضاء أرحب يتجاوز الجغرافيات الضيقة، وتبديد قلقها في التعايش مع التحولات التي يرصدها صاحب «رقصة الغياب» عبر توظيف المشاهد الواقعية، والابتعاد عن الغموض والتكلف باستخدام تقنيات كتابية مثل الحدث (وَوَحْدَهَا الْجُثَثُ الْعَائِمَةُ وَسَطَ الْيَمّ ِتكَسِّرُ سَطْوَةَ الزُّرْقَةِ..)، والقوى الفاعلة (البحارة، الجد، الفتاة الجبلية..)، ولغة القص (لاَ عِلْم لِي بِتَارِيخِ الأَعْلاَمِ وَالْعُشَّاقِ وَبِأَسْمَاءِ السَّاحَاتِ/ وَحِيداً يَبْتَسِمُ لِلسُّفُنِ الْغَرِيبَةِ..)،وفن السيرة (عَبَرْتُ عَبْرَ دُرُوبِ دُخَان مُزَوَّداً بِالْيَأْسِ..)، مع الاعتماد على تنويعات بصرية بموازاة تفاعل الصور الشعرية مع العلائق النصية التي تخلق السيرورة الدلالية لخطوط الفراشات بوصفها تجسيدا لتحقق الكيان الشعري. وقد خص الشاعر للمكان مساحات واسعة لتحريك النص من الداخل بخرق خطية الزمن المرجعي، والانفتاح على الزمن الدائري، وعلى المحكي الشعري الذي ساهم في تأويل العالم شعرياً. إن السعي إلى خلق أفق دلالي وجمالي ممتد يستمد مشروعيته من طبيعة الوعي الشعري لمحمد العناز وللإستراتيجية التي نهجها في عمله المتسم بعناصره الأسلوبية وطاقته البلاغية، وحركيته التي جعلت من الإنسان المتمرد مركز العالم كما هو الحال في قصيدة «سيد المعنى»، وفي الوقت نفسه، فالحدس الزمني حقق في مجموعة «خطوط الفراشات» مزية الإمتاع والتواصل، وأعاد إنتاج معرفة تغير الأصل من أجل تحقق الوجود على نحو شعري، وهو ما يبرر عنايته الفائقة بالعناوين التي تتشكل من تسميات مفردة(مرآة،عشق، رغبة..)، وتسميات مركبة مكونة من مضاف ومضاف إليه (خُطُوطُ الفَرَاشَات، رَقْصَةُ الغِيَاب)، ليجعلها عتبات لدينامية العمل الإبداعي الذي يعكس تعالق الذات بالمكان المرجع أو الواقع. ولعل  لهيمنة المكان «بيت الأشياء» على حد تعبير غاستون باشلار أثره في المغامرة الأنطلوجية انطلاقاً من المكان الأمومي (قصيدة تطفت)، والمكان المجازي (قصيدة دروب دخان)، والمكان الهندسي (قصيدة القصر الكبير). وتتفاعل هذه الأمكنة مع القيم التي تفصح عنها «خطوط الفراشات» المتسمة بجرسها الموسيقي القوي، وبأشكال إيقاعية مثل التوازي (الأفقي والعمودي، وتوازي الكلمة والجمل)، والتكرار فضلا عن الإشباع، والتسكين، والحذف، والتقديم والتأخير، وتداخل الصوامت والصوائت. وستصبح المجموعة الشعرية عبر التخييل الشعري مفارقة للمكان المرجعي ومحايثة للمكان الموازي، مكان القصيدة الممتد والفسيح ، وتلك هي وظيفة الشعر.

هناك تعليق واحد:

  1. أجمل ما كتب في اللغة العربية شعرها الدسم بالزخم الهائل من الإستعارات والمجاز والرمزية المتعمقة في جذور الخيال
    والكتابة عن الفراشات جزء لا يتجزأمن استعمال الرموز لما دلالات خيالية تسافر بنا بعيدا نحو ما يستهويها من شعار الضوء فتصل بنا إلى المحطة الأخيرة بعد أن ترشدنا لمصدر النور لتحترق أجنحتها الرفيعة بلهيب الضوء الذي سينير لنا لطريق
    فيا لها من فراشات تخط بأجنحتها المحترقة سبيلا لنا نحو القمة .
    فهل نستطيع أن نكون مثلها ؟؟؟؟
    شكرا لك أخي شكيب ولقد اشتقت كثيرا لتلك المنافسات التي كانت تحملها طيات المنتدى الغالي طاطانت
    طاطاحنان

    ردحذف

أكتب تعليقا مم تخاف؟