بابة "بيت الملائكة"
حكت "الشخلعة" "لسبلة" عن جدتها "سمهج"، أن "العبيط" نزل على بلد في الليل، صحى زعيقه النائمين، ملائكة من السماء، ستنزل في ليلة يغيب قمرها، وتختفي نجومها وراء الغمام، ينزلون على هيئة رجال صم بكم عمي، يأكلون مما تأكلون، ويشربون مما تشربون، وستدعو لهم من يعاشرونها من الحريم، لكن "العبيط" حذرهم، فعندما يغضبون، تنفتح عيونهم عن السعير، ويخرج من خشومهم لهبا، يحرق بلدهم، بناسها وزرعها وبهائمها، وإذا نده الجبل الريح، لكي تأتي من فوقه، وتطفيء نارهم، دكته الملائكة، لا يمنع خيرها أو شرها غير خالقها.
الخيمة: تحكي المشخلعة عن الرجال الملائكة، وهي تنظر إلى رجال "السيل" يجلسون قدتم خيامهم، يلعبون "السيجة"، ويحسبون ما يقي في جيوبهم، من ثمن مصاغ الحريم.
سخر الناس من كلام العبيط، ربطه العيال في نخلة، وجعلوا ظهره للهواء، كانوا كل ليلة، يمطونه بنشو الجريد على مؤخرته العارية، وكان ما قال العبيط.
نزل البلد رجال، الواحد منهم أضخم من بقرة، وأطول من جمل، يضعون على رءوسهم عمائم من حديد، ويمسكون بعصي، لو سقطت على رجل عجل لكسرتها ، يسيرون رغم عميهم تجاه النخلة، التي ربطوا فيها العبيط، فكوا الحبال، وانتشر الكلام في البلد عن الرجال الملائكة، الصم البكم العمي، يمطون العيال على مؤخراتهم بالكرابيج، بعد أن ربطوهم في النخيل بدلا من العبيط.
قرر ناس البلد أن يعملوا بنصيحة العبيط، ذبحوا لهم من خرافهم وبقرهم، أقاموا لهم عزومة، وطلبوا الرضا، أكلت الرجال الملائكة وشربت، واختفى العبيط من البلد، ثم أتوا لهم ببنات، لم يركبها إنس ولا جن، جعلوا لهن بيتا على البحر، إذا ركبهم الرجال، الذين قال عنهم العبيط أنهم ملائكة، سمعوا لهن صراخا يثير جنون حريم البلد فيضربون بطون رجالهن النائمين بالعراجين، وعندما يتوقف صراخ بيت الملائكة، يرى الناس الرجال الملائكة، ينزلون البحر، يعومون من البر للبر ويعودون، ويبقى الناس على هذه الحال شهرا، لكن رجلا من البلد يقال له "زغبوط" لم يصدق حكاية الرجال الملائكة فاعتلى سطح البيت في ليلة مظلمة، ورأى العجب، لم تكن الملائكة صما بكما عميا، كان الواحد منهم يحدث البنت العارية أسفله، كلامه يجعلها تنتفض مثل بلطية خرجت توا من الماء، شعروا به قيدوه، وخيروه بين أن يشاركهم البنات والطعام والبوظة ويقوم على خدمتهم، أو صلبه على باب البيت، قربانا من ناس البلد للملائكة.
فعل "زغبوط" بالبنات مثل فعلهم، وظل يأتي لهم بالطعام والشراب.
مضى شهر آخر، وكانت الناس لم تر الرجال الملائكة منذ ثلاثة أيام، سألوا فقالت البنات أنه قد صار لكل واحد منهم جناح، وطاروا في السماء.
تركوا البنات التي حبلت يخدمهم زغبوط الذي شهد أنه رأى الملائكة تطير في السماء، وحرمت أجسادهن على رجال البلد، لما ولدن سموا المواليد عيال الملائكة وظل زغبوط يخدمهن، ويركب كل واحدة ليلة، إذا حبلت يقول أن الملائكة جاءت في الليل، ركبتها وعادت.
بعد سنوات سكر زغبوط سكرة شديدة، حكى لأمه أن الملائكة رجال يسيرون في البلاد، قبل أن يدخلوا بلدا يرسلون "العبيط"، يحدث عنهم الناس، يأكلون ويشربون ويركبون "الحريم"، ثم يتسللون في الليل ويختفون، يبحثون عن بلد تصدق حكاية العبيط، وأوصى أمه على عيال الملائكة، أكثرهم اولاده،
لعنت أمه البطن التي حبلت به، وسارت في البلد، تفضح بيت الملائكة، هجم الناس على البيت، كتفوا زعبوط في نخلة وطلبوا الحقيقة، أصر على أن أمه كاذبة، وأنه رأى بعينيه التي سيأكلها الدود، الملائكة وهي تطير في السماء، نزل على الناس مطر، صاح وابتهل، الملائكة تبكي في السماء عيالها، هلل الناس، وأعادوا الحريم والعيال إلى بيت الملائكة.
لعنت أمه البطن التي حبلت به، وسارت في البلد، تفضح بيت الملائكة، هجم الناس على البيت، كتفوا زعبوط في نخلة وطلبوا الحقيقة، أصر على أن أمه كاذبة، وأنه رأى بعينيه التي سيأكلها الدود، الملائكة وهي تطير في السماء، نزل على الناس مطر، صاح وابتهل، الملائكة تبكي في السماء عيالها، هلل الناس، وأعادوا الحريم والعيال إلى بيت الملائكة.
وجاءت الناس من البلاد المجاورة تزور البيت، للفرجة على الحريم والعيال، لكن بعد شهور، بدأت الحريم والعيال تموت، وبعدها وجدوا زعبوط مشنوقا على باب البيت، ثم جاء بعد سنين من هدم البيت، وجعلوا مكانه جبانة البلد، ولم تحك سمهج عن الذي شنق زعبوط الا قبل موتها بشهور، جمعت الناس تحت جميزة دوار العمدة وحكت لهم.
انه لما غلب الترك طومان باي وعلقوه على باب زويلة مشنوقا هرب من بقي من رجاله في بلاد الله، منهم من سافر للشام والمغرب، ومنهم من عدى البحر الاحمر، لكن جدها الكبير قال: نفر من مصر الى مصر. وأخذ امرأته وابنته الوحيدة وهرب الى الصعيد، ينتقل من بلد الى بلد، كان جدها صاحب فتوى تحق حتى على السلطان، اذا عرفه الناس أكرموه، حتى نزل التالحة، حكى له شيخ البلد عن بيت الملائكة، وطلب منه الرأي والمشورة، استعاذ جدها من الشيطان الرجيم، وصلى وسلم على موسى وعيسى ومحمد وكل نبي من قبل ومن بعد جدهم ابراهيم، يبرؤون من فعل الأنجاس، أشار عليهم أن يبيعوا العيال مماليك، لما علم زغبوط بنوايا شيخ البلد، كان يضع السم للبنات وعيالها، لم يبق في البيت غيره، وبنت مسكينة مات عيلها مسموما.
- شنق الترك على باب زويلة فارس كريم، واليوم نشنق على باب بيت الملائكة، نجس لئيم، وفي الليل تمكن جد سمهج من زعبوط وهو نائم، كتفه قبل أن يشنقه على باب البيت، حكى زعبوط، ما كان من الذين تخفوا في هيئة الملائكة، ثم دله على المكان الذي قصدوه.
علم شيخ البلد من جد سمهج، باللذي حدث بينه وبين زغبوط، استأمنه ابنته، وخرج يبحث عن الملائكة الصم العمي البكم، الذين يسبقهم عبيط، وفي كل بلد ينزلون فيه، إذا وصل جدها الى بلد، يجدهم قد خرجوا، يبيع العيال الذين أنجبوهم وأمهاتهم مماليك، داخ السبع دوخات، وفي كل دوخة يصلي ويسلم ، على محمد وكل نبي قبله، يقول ثوابه عند الله، ويطلبهم من جديد، لما خرجوا للسودان خرج وراءهم، حتى مات جدها وهو يدور في البلاد، ولما جاء خبر موته، مع مركب قادم من السودان ترحم عليه شيخ البلد، واعطى ابنته عكاز أبنوس كل ما بقي منه مكتوب عليه في ناحية آيات من سورة محمد وفي ناحية آيات سورة مريم، أهداه إليه ملك من ملوك السودان، وزوجها شيخ البلد لولد من أولاده، أنجبت وكان آخر احفادها عمدة التالحة، ثم لوحت سمهج بيدها بالعكاز وقالت هو من بعدي للمشخلعة، إذا كان نصيبها السخل، فالعكاز لولده من بعده، ولكل أجل كتاب، لم تمض شهور، حتى ماتت سمهج، وبعدها رأى الناس العكاز يتأرجح في الهودج مثل حلق، لما رآه الناس طلبوا الرحمة لجدتها سمهج.
من رواية السرابيل لمحمد الناصر-
كتاب الحريم- ص134- بابة الملائكة من ص146 الىص151
الطبعة الاولى 2007- نادي القصة- الكتاب الفضي -دار اكتب للنشر والتوزيع