المهلـــــــوســــــون الـــــــجدد

الأحد، 14 أغسطس 2011

القاص المغربي شكيب أريج ...في ضيافة المقهى

القاص المغربي شكيب أريج...في ضيافة المقهى





الحلقة 82-
فاطم الزهراء المرابط

قلم مغربي، يبحث بشكل مستمر عن مقهى يلائم تطلعاته الإبداعية وركن هادئ من أجل نسج نصوصه القصصية التي تنشر أريجها هنا وهناك، يبحث عن الكلمة الجادة والهادفة لتأثيث أحداث قصصه، من أجل التعرف على علاقة المبدع المغربي شكيب أريج بالمقهى كان الحوار التالي…

من هو شكيب أريج؟
شكيب أريج من مواليد 1979 بتارودانت. أستاذ اللغة العربية- حاصل على الإجازة في الأدب العربي. مراسل صحفي لجرائد جهوية. مهتم بالشعر والقصة والرواية والنقد.
هذه سيرة حسن السلوك عندي. أما هويتي الخاصة جدا فهي: جني مصاب بالحول. شيخ أنابيب. قطرة ماء تحت المكواة. وببساطة شديدة للغاية (واحد من الناس).

حدثنا عن مسيرتك الإبداعية؟
أنا في بداية الطريق، لذلك من السابق لأوانه أن أدعي أني قطعت مراحل مسيرة إبداعية. إن شئت الدقة، أقول لك أني أمشي بخطى ثابتة وواثقة.
لا أريد أن أكون كاتبا بين السطور فقط، لأن المبدع يكتب ويبدع في حياته وبحياته. الذي يعرفني حق المعرفة يعرف أني متدبدب بين الخاطرة والشعر والمقالة والمسرح والسينما والقصة والنقد. أنوع أدبيا خشية أن تكون لي مسيرة إبداعية واحدة ولا أؤمن بالتخصص في الإبداع.
اللحظة أضمر الكثير من النصوص الجميلة أخمرها ولا أستعجل، وأكتفي بالقراءة بشراهة بل بشراسة. لو رجعت بك إلى أول عهدي حين أسسنا نادي المبدعين الشباب برحاب جامعة ابن زهر بأكادير، وكنت من أوائل الذين افتتحوا حلقيات أدبية في الفضاء الجامعي، لو رجعت إلى تلك النقطة البدئية لقلت لك أني اخترت منذ ذاك الحين تنويع مساراتي، فتركت عشقي للشعر وانكببت على متن الرواية الإبداعي والنظري وكانت الخلاصة بحث بعنوان: ” خصوصية السرد عند أحلام مستغانمي”.
بعيدا عن الأدب قمت بدراسات عميقة فيما يخص الفكر الإسلامي: (دكتاتورية الشيوخ) (ما الغاية من الحجاب؟) (مجتمع العبيد في الإسلام). ومنذ 2004 وأنا مراسل صحفي لجريدة الأفق الجديد. انشغلت حينها بالمقالة ولا زلت أعمل اليوم مراسلا لجريدة عيون الجنوب. وهي تجربة مهمة تجعلك دائما على قيد الكتابة وعلى قيد النشر.
وأخيرا ها أنا بصدد الرتوش الأخيرة في مجموعتي القصصية “كائن ذهني” وبصدد الإعداد لسلسلة من الحوارات مع كتاب القصة تحمل عنوان: “عين على القصة”.

ما هو الدور الذي يلعبه النشر الالكتروني في مسيرة الكاتب المغربي، ومسيرتك الإبداعية بشكل خاص؟
النشر سلطة. هذه السلطة لا تستمد شرعيتها من قيمة ما يكتب، بل من قيمة مركز الناشر ونفوذه وجاهه، قل لي كم معك؟ أقل لك كم كتاب ستنشره. بسبب ذلك عرف الأدب على غرار باقي الميادين جنرالات وحيتان كبيرة. فأصبحنا نجد مثلا في المقررات الدراسية أسماء محسوبة على جهات رسمية أو مناطق من المغرب النافع، هذه الأسماء دون غيرها هي التي تستشيط نشرا.
ومع ظهور النشر الإلكتروني انقلب الأمر رأسا على عقب، فهذه الأسماء/ المشيخات لم تستطع جلها مواكبة هذا النشر. وفي نفس الوقت كانت المبادرة للشباب باعتباره الأكثر تعاطيا مع التقنية الحديثة. في هذا السياق يمكن الحديث عن النشر الإلكتروني بالنسبة للكاتب المغربي، فرغم ما قد يقال عن ميوعة مشهد النشر الإلكتروني وانحسار سلطة اللغويين به، إلا أن لا أحد ينفي حضور الكاتب المغربي وإسهاماته الجادة على الشبكة العنكبوتية. وبإمكانيات متواضعة نجد أن بعض الكتاب المغاربة قدموا ويقدمون مجهودا نظريا متفردا على مستوى التنظير للنص الإلكتروني والنشر الإلكتروني. وأعتقد جازما أننا اليوم أمام أسماء فرضت إبداعها وإسهامها الأدبي والثقافي عن طريق النشر الإلكتروني قبل أن تنفتح على النشر الورقي.
فيما يخص تجربتي الخاصة و(المتواضعة) في متاهة النشر الإلكتروني والتي لا تتجاوز عشرة سنوات فقد بدأتها بمقهى الشاعرة “سوزان عليوان” الذي كان يجمع ثلة من المبدعين والمثقفين. ثم نشرت في موقع القصة العربية الذي أعتبره مدرسة، حيث قرأت للعديد من كتاب القصة في العالم العربي، وأخذت عنهم العديد من الملاحظات التقنية والجوهرية. ونشرت أيضا بموقع القصة العراقية عند انطلاقه وقد ضم ثلة من الأقلام العراقية. وأخيرا وجدت نفسي أمام سيل من المواقع المتناسلة لأنشغل بالتدوين على مدونتي (فوانيس على الطريق) منذ سنة 2006.
أعرف الآن أكثر من أي وقت مضى أن النشر الإلكتروني وسيلة واحدة من بين وسائل متعددة. هو عالم افتراضي يعضده عالم واقعي، قد يمنحك طريقة مثلى لإيصال صوتك لأبعد مدى، لكن حذاري من الذوبان في ملكوته. لا أنكر أن للنشر الإلكتروني فضل كبير في تفاعلي مع قارئ وكاتب نوعي، لكني دائما أتساءل عن قارئ وكاتب من طينة أخرى يتواجد في الضفة الأخرى للنت.

ما هي طبيعة المقاهي تارودانت؟ وهل هناك مقاه ثقافية؟

تغص المقاهي في تارودانت بروادها، خاصة في أوقات الذروة. وحده المتأمل في بيت “محمد بنطلحة” (أجسادنا رسائل) ستصله رسالة واضحة مفادها: أن هذه الأجساد هي هنا من أجل شيئين: تطرد الملل وتطرد الذباب. وهي قد تقوم بجمبع الأفعال ( أكل، شرب، تحديق، هرطقة..) إلا الفعل الثقافي. لن نقول أن كل هؤلاء الناس ليسوا بمثقفين، ولكن حسبنا أن نقول مع “غرامشي” (كل إنسان مثقف، لكن ليس كل إنسان يقوم بعمل المثقف).
إذن فهب مقاهي لتزجية الوقت، يمكن اعتبارها قاعات انتظار أو قاعات لإعدام الوقت. هذا ما يؤكده رواج المقاهي المجاورة للطريق العام (حيث تنشط عمليات البحلقة والفرجة والمراقبة اللصيقة للغادي والرائح) وباختصار. لا توجد مقاهي ثقافية بتارودانت، وإن كنا لا نعدم بين الفينة والأخرى أن نجد مثقفين يمارسون الفعل الثقافي، وضد التيار يطالعون صفحات كتاب أو جريدة بدل مطالعة وجوه المارة، أو يرتعون في موضوع ثقافي بدل أن يرتعوا في أعراض الناس. وعلى سبيل التمثيل يحضرني اسم الباحث المفكر الأمازيغي رشيد الحاحي الذي كثيرا ما وجدته مرابضا في مقهاه الأثير حيث ألف الكثير من مقالاته وفصول كتبه. وأذكر أيضا المبدع سعيد الخيز الذي أعتبر المقهى مطبخه السري لروايته اليتيمة “سجين الهوامش” وحين هرب من روايته هرب من المقهى إلى غير رجعة. وأخيرا أذكر القاص محمد كروم الذي طالما زف لي في المقهى مشاريعه الثقافية التي ما لبتت أن تحققت.

كيف تنظر إلى العلاقة بين المبدع والمقهى خلال الفترة الراهنة وهل هناك علاقة خاصة بين المقهى وشكيب أريج؟

في اعتقادي الخاص أن المبدع راغب في فضاء يحتوي عزلته، ويمارس فيه شيطنته الإبداعية، لكن تعوزه المقاهي التي تلائم تطلعاته. ولأنه ليس شرطا أن يكون المبدع جليس مقهى فإن اعتباره- المقهى- مكانا عابرا سيؤشر على علاقة ملتبسة وعميقةـ أقول هذا وأنا أعرف حرارة وحميمية الفضاءات العابرة في حياة المبدع. وإن كنا لا نعدم بين المبدعين من يلخص علاقته بالمقهى في قهوة صباحية وجريدة. وقلة هم من يتخذون ركنا هادئا في مقهى صامت للكتابة أو القراءة. وأقل منهم أولئك الذين يصطادون عوالم طازجة للكتابة من عمق اليومي في المقهى.
رجوعا إلى علاقتي الخاصة بالمقهى، فما زلت دائم البحث عن مقهى يلائم تطلعاتي، وإلى ذلك الحين تبقى علاقتي بالمقهى علاقة عابرة. ونادرا ما تجبرني فوضى البيت إلى الهروب ومعي مستلزمات القراءة والكتابة بحثا عن ركن هادئ في مقهى. ونادرا أيضا ما أضطر وأنا برفقة طيبة إلى طرق كراسي المقاهي.

” المقهى مجرد فضاء للتسلية وتضييع الوقت”، ما رأيك في ذلك؟

من خلال إجاباتي السابقة يتضح أنني مستاء من مستوى المقاهي وأنني من هذا الرأي الذي يرى أن المقاهي هدفها تجاري محض وقلما تلتفت لما هو ثقافي. هي مقاهي يطلب روادها مكانا لتبديد الوقت، فيبرع أصحاب المقاهي في أشكال التسلية (لعب الورق، الشيشة، الفرجة ومشاهدة التلفاز..)
وتحول المقاهي إلى هذا المستوى راجع بالأساس إلى ما يطلبه روادها، فالمقاهي التي تفتح أندية ثقافية قد يكون مصيرها الإفلاس. ربما يحدث ذلك بسبب ندرة الكائن الثقافي أو بسبب لاحركيته. وقد لاحظت شخصيا مقاهي تسلية بتارودانت مختصة بلعب الورق، واستغربت أن هؤلاء استطاعوا تأسيس مقهى منذ سنين خاصة بهم، في حين يعجز المثقفين والمبدعين على أن يؤسسوا مقهى ثقافي.

ماذا يمثل لك: السفر، القلم، الوطن؟

السفر: أتهيبه كثيرا، لأن جل الذين يتوهمون السفر اليوم لا يمارسون إلا فعل التنقل. السفر عندي مرادف للانطلاق والانعتاق. هو نوع من التشرد.
يقول الإمام علي أن للسفر خمس فوائد:
تفرج هم واكتساب معيشة وعلم وآداب وصحبة ماجد
لكنه عندي ليس مجرد ترف أو فوائد أو انتجاع أو اصطياف أو سياحة داخلية تنتهي بشراء تذكار أو التقاط صورة.
السفر عندي سفر جواني يمارسه المبدع في مماليك دواخله في جزء من الثانية فيتوهم أنه قضى عمرا.

القلم: سلاح مسنون في حده الحد بين الجد واللعب.

الوطن: حتما ليس هو الرقعة الجغرافية. طبعا هو الحيز النفسي الذي أجد فيه ذاتي. وحتى لا يكون (الوطن) مرادفا للقبيلة سأعتبره مرادفا للولايات المتحدة الإنسانية أو على حد تعبير المنفلوطي (الجامعة الإنسانية).

كيف تتصور مقهى ثقافيا نموذجيا؟
أحلم بمقهى لا ينس فيه النادل وهو يقدم لك القهوة أن يقدم معها ورقة وقلما، وأن لا يستفسرك عن ما تشرب فقط؟ بل ماذا تقرأ أيضا. وأن تشمل قائمة المشروبات والمأكولات التي يقدمها قائمة الجرائد والكتب المتوفرة.
أحلم بمقهى أجد فيه أحمد بوزفور وحوارييه. يجلس فيه حيدر حيدر وعصابته. يرتاده أحمد مطر وشياطينه.
أحلم بمقهى لا تجد المرأة غضاضة في الجلوس فيه/إليه.
أحلم بمقهى ثقافي شعبي يوحد فيه ما هو إنساني بين بائع البيض والعامل والفلاح والجزار والمعلم والطالب.
أحلم بمقهى توضع فيه المحبرة مكان المنفضة، تستبدل فيه النميمات الرخيصة بالمنمنمات الجميلة. حين تخرج منه تجد كشف الحساب مصدرا بسؤالين: كم قرأت؟ وكم كتبت؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أكتب تعليقا مم تخاف؟