المهلـــــــوســــــون الـــــــجدد

الجمعة، 10 فبراير 2012

شهادة من مهلوسة_ بقلم إلهام ملهبي

 
 
في البداية دخلت هذه الصفحة _ المقصود صفحة المهلوسون الجدد على الفايسبوك- بحذر ، تفضل أحد الأصدقاء مشكورا بإضافة اسمي هنا فدخلت أتصفح ما تجود به قريحة أشخاص لم أعرفهم من قبل و لم يسبق أن تواصلت معهم لا افتراضيا و لا واقعيا ، فوجدت جنونا عاقلا ، وجدت هنا أشخاصا أتعبهم واقع أدبي تحول مع الأسف إلى مهرجان كبير للبهرجة و النفاق و المصالح و حقل كبير للإسفاف.
كل ما يقال في هذه الصفحة حقيقة ، حقيقة اختار أعضاء الصفحة أن يظهروها بطريقة ساخرة سموها هلوسة ، ليس لأن المهلوس لا حرج عليه ، و لكن لأن الكاتب أصبح كالمهلوس لا حرج يمنعه من ادعاء العظمة .
هناك الكثير من المظاهر غير الصحية أصبحت سائدة في المشهد الأدبي في بلادنا ، تستدعي أن نتوقف عندها و ننتقدها ، بدءا بسيادة علاقات المصالح و مرورا بالمهرجانات و الجوائز و مشاكل النشر الورقي ، و وصولا إلى الكتابات السطحية ... ، هاهي صفحة المهلوسين الجدد تطرق جدار الخزان ، أو ترمي الحجر في البركة ، أو تحرك الراكد و المسكوت عنه ... أو أي تسمية أخرى ، المهم أن هناك من فتح باب هذا النقاش. إذا كنا نعيش في زمن يعترف الجميع فيه بوجود أزمة قراءة بسبب التطور الإعلامي و التكنولوجي بالإضافة إلى برامج التدجين و صناعة الجهل ، فهذه الصفحة تقول إن لدينا أيضا أزمة كتابة.

انتشار اللقاءات الأدبية كالفطر :

كل أسبوع أو أسبوعين تقرأ إعلانا عن ملتقى أدبي في مدينة مختلفة ، ثم حين ترى الصور على الفيسبوك تجد نفس أشخاص الأسبوع الماضي التقوا هذه المرة تحت مسمى جديد و تحت يافطة أخرى.
لم أحضر في حياتي سوى لقاء واحدا من هذه اللقاءات الأدبية ، و كان الإحساس الذي حملته معي في طريق العودة بعد يومين قضيتهما في تلك الأجواء ، هو أنني عدت محملة بالخواء .. تعرفون ما هو الخواء ؟ انه ليس الفراغ ، الفراغ قد يكون فسيحا ، قد يكون مفتوحا على احتمالات متعددة حتى إن كانت مجهولة ، لكن الخواء يشبه ذلك الهواء المضغوط في بالون كبير ، آنت تعتقد انك تملأ البالون بشيء مهم يجعله صلبا أكثر و يجعل حجمه يتضاعف و يصبح أكبر و أكبر ، لكنك في الحقيقة تملأه بلا شيء ، بمجرد ما تزيل إصبعك عن فتحة البالون يتبدد كل شيء ، فتبقى أمامك قطعة بلاستيكية مترهلة.
في هذه الملتقيات يلتقي الناس ليقرأوا نصوصا سبق و أن قرأوها لبعضهم على صفحات الفيسبوك او على صفحات المنتديات ، و ليتبادلوا المجاملات فيما بينهم و يتبادلوا إطلاق الألقاب على بعضهم بسخاء منقطع النظير . كانت الملتقيات ستكون صحية و ايجابية لو كانت تضم أشخاصا يقرأون فيما بينهم و يوجهون النقد الصريح و الصادق حول نصوصهم، لكن أن تنظم أمسية يقرأ فيها خمسون شاعرا نصوصهم تباعا دون أن يستمع أي واحد منهم للآخر ثم يذهب كل إلى حال سبيله ، فهذا الأمر لا يقدم للساحة الأدبية شيئا ، و في الوقت الذي يجب أن تكون هذه الملتقيات تقدم الدعم النفسي للمبدع الشاب ، فهي تقدم له شيئا آخر هو الغرور و الوهم.
حين تطلق على نفسك اسم الشاعر ، أو يناديك مسير الأمسية الشعرية بالشاعر الكبير .. هذا لا يعني انك أصبحت شاعرا ، شرف الشعر لا يتأتى بالألقاب ، الشعر دهشة الحياة و ألمها و فرحها ، الشعر موقفك من العالم قبل أن يكون موقفك من نفسك ، الشعر نبوة الحرية ، و الحرية لا تمنح نفسها لمن يعيش داخل قفص الاعتداد الفارغ بالنفس.
هناك و يا للعجب من يوقعون كتاباتهم بألقاب هم أطلقوها عن أنفسهم، شاعر كذا .. و شاعرة كذا ، و هناك من يضع صورته مع احد أصدقائه على الفيسبوك و يكتب : الشاعر و الكاتب فلان مع الشاعر و الناقد فلان .. هذه التصرفات لا اسم لها سوى: الهراء. هراء كبير يحيط بنا من كل جانب.
هذا لا يعني أن الناس لا يجب أن يكتبوا ، على العكس ، اكتبوا .. أبدعوا .. لا أجمل في هذه الحياة أكثر من الإبداع ، لكن اتركوا للقارئ أن يستقبل إبداعكم دون ألقاب تبعدكم عنه ، الكتابة صوتكم الوحيد في هذا العالم ، لا تشوهوها بهذا الشكل. اكتب و تفاعل مع الحياة كي تتفاعل معك أخذا و عطاء ، أما أن تكتب و تعتقد انك امتلكت عرش الكتابة بسطرين أو ثلاثة فأنت لا تقوم سوى بدفن ملكة الإبداع فيك و تضخيم اناك حتى تصبح بالونا فارغا.
أنا لا أقول انه لا يوجد مبدعون و شعراء جيدون ، على العكس هناك أسماء كثيرة تستحق الاحترام و أكثر، و وجود هذا الكم الهائل من الأسماء المبدعة في شتى صنوف الكتابة أعتقده أمر ايجابي كثيرا ، لكن الجو العام لهذا الزمن الأدبي الذي نحن فيه أقل ما يمكن أن يوصف به هو انه جو غير صحي ، قائم على العلاقات و المجاملات المبالغة و المصالح المتبادلة و البهرجة الفارغة . هذا ما تحاول هذه الصفحة فضحه و انتقاده بطريقة ساخرة.

و ماذا عن القصة القصيرة جدا ؟

إن توجيه الانتقاد لمن يكتب في هذا النوع ، لا يعني رفضه كنوع جديد للكتابة ، لكننا كقراء نرفض أن يستسهل أيا كان هذا النوع الأدبي و يقدم لنا نصوصا سطحية ، أن يكتب شخص ما مثلا عبارة كالآتي : ( شرب كأس شاي ، أغمض عينيه ، و تخيل أنه يشرب ويسكي ..)** فهذه قمة الإهانة للقارئ .

و هذا النوع من الكتابة القصيرة ليس حديثا ، فقبله بقرون عرف الشعر الياباني قصائد الهايكو ، لكن شعر الهايكو كان شعرا فلسفيا يطرح أسئلة الطبيعة و الوجود و الميتافيزيقا... ، و أيضا منذ منتصف القرن الماضي ظهر شكل آخر للكتابة سمي بالشذرات ، و الشذرات نصوص قصيرة مركزة إلى حد كبير ، محملة بأسئلة فلسفية كبرى ، فشذرات سيوران و نيتشه كانت و لا زالت بوصلة للكثيرين محفزة للعقل مستنفرة له .
حين تكتب نصا قصيرا ، فليس لأنه سهل و أنت لا تستطيع كتابة نص طويل ، و لكن معناه انك وصلت لدرجة من النضوج و الوعي و امتلكت رصيدا معرفيا و إمكانيات تقنية و لغوية تمكنك من اختزال فكرتك و اختزال ألمك أو اختزال لحظة أو حالة لدرجة تجعلك تقدم للقارئ نصا مركزا يتفكك بداخله و يذوب ليخلق عنده الحالة كاملة . لكن للأسف ما نراه أمامنا اليوم هو أن كل مبتدئ لم يكتب في حياته نصا من قبل يقول انه يكتب القصة القصيرة جدا و يسمي نفسه كاتبا.

**ليست هذه العبارة لأحد، فقط مثال أدرجته لأبين فداحة استسهال كتابة هذا النوع من النصوص.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أكتب تعليقا مم تخاف؟