المهلـــــــوســــــون الـــــــجدد

الخميس، 23 فبراير 2012

وصال- بقلم نعيمة أدهم

 
وصال
كانت ساعة الاستحمام لحظة مقدسة ، تمارسها بطقوس خاصة ، اللحظة التي تختلي فيها بنفسها في بيت يعج بساكنيه ، تتصالح فيها مع جسدها ، تحرره من نسيج يلفه طوال النهار.
تتجرد بعنف و كأنها تنتزع أغلالا و أصفادا تكبلها... عريانة.. يتملكها إحساس جميل بالسكينة.. بالانعتاق.
بخليط الحناء المنسم بالقرنفل و الممزوج بماء الورد ، كانت تصبغ كامل جسمها ، و كأنها ترسم لوحة بلون الربيع.. سفوح و قمم أخاذة! و كأنها تسدل وشاحا أخضرا يضفي هيبة و قداسة على قباب فاتنة تنتصب في شموخ..
مع رائحة الحناء و القرنفل كانت تشتم عبق التاريخ ، و تشعر و كأنها "الخيزران" في قصر الخليفة العباسي ، و كانت الحناء تكسب بشرتها المرمرية لونا زهريا ، فتبدو المفاتن ورودا بطيب القرنفل.
ينساب الماء، فيغمر الجسد الغض ، و يعبر الثنايا ككوثر يشق رياض الجنان..ترقب مستحمتنا الحسناء ، مزهوة ، قطرات الماء الدافئة و هي تتدحرج كلآلئ على النهدين النافرين.. كقطر الندى يتراقص فوق فلتين..
كانت تدرك أن الأنثى التي تعشق جسدها، هي أنثى فاتنة، كيفما كان حظها من الجمال. لذا عشقت جسدها بجنون ، و كان الاستحمام لحظة للوصال.
سلاسة الماء تجعل الشعر الحالك السواد ، كليل العشاق ، أكثر نعومة ، فتنفلت الخصلات الحريرية من عقالها، و تتسارع كموج يتلاطم على أسفل الظهر ، فيتراءى الشعر المبلل كساحر أسود يأخذ بالألباب..
كانت تروق لها تلك المقولة الشهيرة التي تقول أن نصف جمال المرأة شعرها، لأنها كانت واثقة أنها تملك كل هذا النصف. ففي زمن آخر صيحات الموضة في صبغات الشعر و تقطيعاته ، ظلت هي متشبثة بالشعر الأسود الطويل ، الذي لطالما اعتبرته رمز أصالة الجمال العربي.فكان ينتابها الغرور كلما رأت شعرها الجميل منسدلا ، حاجبا كل الظهر و أسفله.. أو كلما لوحت به راقصة ، بجنون ، على نغمات "ناس الغيوان" التي تستهويها.
تبدو مستحمتنا في حوض استحمامها كحورية بحر من زمن السندباد...تعبث بصبيانية بفقاعات الصابون، وتدلك بدلال كل شبر من الجسد المستسلم لأنامل عاشقته.. منظر الصابون على الحلمتين كبن بلبن يغري بالرشف.. و يبدو الجسد المكسو به كديباج مرصع بحبات الألماس.. و تبدو حوريتنا و الماء، كحبيبين في فراش...
تنتصب واقفة، بعيون منتشية، و تلثم، راضية، نهدها المبلل إيذانا بانتهاء الوصال.
ترتدي ملابسها بعد تمنع ، و تهمس لجدران الحمام.. أن اكتمي السر

نعيمة أدهم

هناك تعليق واحد:

  1. من أنا حتى اعلق وكيف أعلق وصلت متأخرا . كنت أعرفها إلتقينا مرارا في محطة الحافلات ، تأتي متأخرة وتقف امام الحافلة التي ستقلها مستندة إلى إحدى دعامات السقف شاردة الفكر.مكانها ليس هناك ، بل هنا.إنها مضطرة مقيدة ،انه الميثاق الغليظ.
    تعود بالجسد لا بالروح ضاربة موعدا بينهما في الحمام ـ****-( كانت ساعة الاستحمام لحظة مقدسة ، تمارسها بطقوس خاصة ، اللحظة التي تختلي فيها بنفسها في بيت يعج بساكنيه ، تتصالح فيها مع جسدها ، تحرره من نسيج يلفه طوال النهار.
    تتجرد بعنف و كأنها تنتزع أغلالا و أصفادا تكبلها... عريانة.. يتملكها إحساس جميل بالسكينة.. بالانعتاق.)****

    ردحذف

أكتب تعليقا مم تخاف؟